عدد الزوار : 204846       عدد المواضيع : 16       عدد الاقسام : 1
الاقسام
عدد المواضيع : 1
آخر تحديث : 17/02/2019
المواضيع


إنَّ قضية التعلم أو طلب العلم قضية أساسية لكلِّ مسلم، وتأتي هذه الأهمية بعد قضية الإيمان بالله، فأول واجب على كل مسلم الإيمان، ويليه العلم؛ ولذلك بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: "باب العلم قبل القول والعمل"؛ لأنك بالعلم تُصحِّح عقيدتك وتصحِّح عملك، فالتعلُّم هو الوسيلة التي يتمكَّن بها المُكلَّف من تصحيح إيمانه ومن تصحيح عمله، فيجب على المسلم أن يؤمن أولاً وقبل كل شيء إيمانًا مُجمَلاً، ثم بعد ذلك يَسعى وينهَض لطلب العلم؛ فإن العلم من المصالح الضرورية؛ بحيث لو فاتت تلك المصالح لآلت حال الأمة إلى الفساد، ولحادَت عن الطريق الذي أرادَه لها الشارع الحكيم؛ ولذا كان العلم ضرورة شرعية.



أسباب كَون العِلم ضرورة شرعية:

1- لأنه يدلُّ على معرفة الله - سبحانه وتعالى - وما يستحقُّه من الأسماء الحُسنى والصفات العُلى، وهذه المعرفة تستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابتَه، ومحبَّته ورجاءه، والتوكُّل عليه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه.



والعِلم يدلُّ على معرفة ما يُحبُّه الله - سبحانه وتعالى - ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وما يكره ويسخَط منها.



2- الجَهل المُطبِق بالإسلام، وعدم تطبيق الإسلام إلا ما صحَّ عادة وتقليدًا يتبعه المجتمع، ونتَج عن ذلك حالة الجمود والغربة عن الدين في نفوسِ أهله، حتى صارت عندهم قابليَّةٌ للاستعمار، فسيطر المُستعمِر على عقولنا وديارنا ومُقدَّساتنا وأقواتنا، والجهل مِن أعظم أسباب تأخُّر المسلمين؛ فإن فيهم مَن لا يُميِّز بين الخمر والخلِّ.



3- حاجتنا إليه لا تقلُّ عن حاجتنا إلى المأكل والمشرب والملبَس والدواء؛ إذ به قوام الدنيا والدين.



4- ظهور البدع الشركية وتفشِّيها في المجتمع الإسلامي، وما أُدخل في الدين من قول العلماء على أنه شرع ثابت.



5- انتشار المذاهب الهدَّامة، والنِّحَل الباطلة؛ مثل: القاديانية، والبهائية، والبابية، والتنوير، والتجديد الفكري، والعقلانية، وأيضًا ظهور الانتماءات المنافية للإسلام؛ مثل: القومية العربية، الفِرعَونية، الفارسية، وما حدث ذلك في المجتمع إلا لأنها وجدت قلوبًا خالية فتمكَّنتْ منها، فإن القلوب التي لا تتحصَّن بالعلم الشرعي تكون عرضة للانخداع بالضلالات، والوقوع في الانحرافات؛ فالفقه في الدين عصمة من الفتن، كما كان كثير من مشايخنا الأفاضل يُكرِّرون لنا ذلك في معهد البخاري.



6- كثرة الشبهات والافتراءات التي أثارها أعداء الإسلام - في العصر الحديث - ومَن وافقهم من المُستغربين؛ مثل: حرية المرأة، والاختلاط، وعدم تطوُّر الإسلام وجموده.. إلى آخر هذا القاموس.



7- عدم فَهمِ الشريعة وأحكامها فهمًا واسعًا شموليًّا كما فهمَه الصحابَة، حتى أصبَح مفهوم الإسلام عند كثير مِن المسلمين هو: الصلاة، وقراءة القرآن، وإتيان بعض العبادات الأخرى.



وسبب ضَياع الإسلام هو: انعِدام الرجال الذين يَجمعون شموليَّته؛ فإنه لما كان الحق ليس كائنًا مُتحرِّكًا بذاتِه، ولكنَّه مفهوم يُطبِّقه ويَحمله ويدعو إليه مَخلوق، كان لزامًا لسيادة الحق أن يَحمله دعاة وهُداة وجندٌ وحزب، ومِن أجلِ ذلك اهتمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بصِناعة هؤلاء الأكابر، فكان يُرسِل الرجل فيَفتح الله - سبحانه وتعالى - على يدَيه أمة، فمَن منكم يُريد - بصدق - أن يكون داعية إلى الحق، أو هاديًا إليه، أو جنديًّا مِن جنوده، وفردًا في حزبه المُفلِحين؟



إننا بحاجَة إلى صناعة رجال يَحملون راية الدِّين ومسؤولية الدعوة، نَحتاج إلى صناعة رجل إذا سار في الشارع، فبمُجرَّد هيئته يكون دعوة، ثم بالتعامل يكون قدوة، ثمَّ بالاقتراب والتِماس معه يَصير أمة، وهذا ما يُسمى: "إيجاد النموذج وتوسيع القاعدة".



نَحتاج إلى رجل كهذا الرجل؛ رُبِّي، ظاهره كباطنِه، مُخبِت وزيادة، في البيت ابن بارٌّ، يُقبِّل يدَ أبيه ورجلَه، وأمه كذلك، وهو زوج يَقوم بحقوق الزوجية؛ يُكرِم زوجته ولا يُهينها، ويُعلِّمها ويُربِّيها، وهو قوام غيور، يَستطيع أن يُقيم حدود الله في بيته، ثم هو مع إخوانه أخٌ طيِّب؛ مُحسن إلى الإخوة، رفيق بهم، ليِّنٌ معهم، ذليلٌ لهم، ثم هو في طلب العلم لا يَفتر ولا يَكسل، بل علامة مجتهد، وفي الحديث حافظ، وفي القرآن من أهله ومِن أوائلهم، ثم هو صَوَّام قَوَّام ذَكَّار لله - سبحانه وتعالى - تالٍ للقرآن.



إن إيجاد مثل هذا الرجل لن يكون إلا بتربية تُتَعَهَّدُ، ومنهج يُسلك، ومُعلِّم يُتابِع، وإخوة ينصحون، وجهد وصبر وطول عهد، وبهذا يتمُّ بناء القاعدة الصلبة التي يقوم عليها المجتمع المسلم، وبهذا تتلاشى الصورة السيئة التي ارتسمَت في أذهان الناس، والتي تصدُّهم دائمًا عن الحق، وتقف في طريق إذعانهم له، وبهذا - أيضًا - يتم إيجاد رجال يَجمعون شمولية الدين؛ لأن انعدامهم هو الذي سبَّب ضياع الإسلام.



8- لوضوح الهدف: فلقد كانت الأهداف المرحلية واضحة تمامًا في السيرة، وكانت دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - مُرَكَّزَةً وواضحة؛ في البداية دعوة الناس جميعًا إلى عبادة الله وحده وترك ما يُعبد من دون الله مِن أصنام وطواغيت وأهواء وشهوات، ثم انتقل إلى مرحلة البحث عن مكان آمِنٍ للدعوة وأهلها، ليكون مُنطلقًا للتمكين في الأرض، فيسَّر الله له يَثرِب، ودخل أهلها في دين الله، ثم انتقلت الدعوة إلى الدولة، ثم انتقلَت الدولة إلى مرحلة الجهاد الدفاعي، ثم في النهاية انتقلت إلى مرحلة الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله.



إن هذا الوضوح والإصرار جعل كثيرًا من العرب يُعجبون بالدعوة وصاحبها؛ فإن الإصرار على الحق والدفاع عنه لا بد أن يوقِظ الناس، فإذا أردتَ لدعوتك أن تكون قوية مؤثِّرةً تجمَع عليها الناس يؤيدونها ويُناصِرونها، فعليك أن تكون واضحًا في عَرضِها وعَرضِ أهدافها.



9- لوحدة الصف ووحدة المنهج؛ وأعني بذلك تجمُّع أصحاب المنهج الواحد - منهج خير القرون - وليس تجمُّعًا يُرضي الجميع بالتساهُل في شيء من شريعة الله، فهذه مِن مداخل الشيطان التي ظاهِرُها الخير وتأليف القلوب، وباطنها تجمُّع هشٌّ لا يَصمد في وجه التحديات الداخلية والخارجية؛ فهؤلاء الكفار يَمكُرون في الليل والنهار، ولا يَملُّون من كثرة الاجتماعات، وكثرة المُناقَشات، وتقليب وجهات النظر للاستقرار على أمر يريدونه، أَيَطلُب أهل الباطل عملهم بجدٍّ، ونحن نَطلُبه ببطء وتراخٍ؟! يقول عمر - رضي الله عنه -: اللهم إني أشكو إليك جلَد الفاجر وعجز المؤمن.



10- لشرف العلم؛ وشرف العلم لا يَخفى؛ إذ هو المُختصُّ بالإنسانية، فجميع الخصال - سوى العلم - يَشترِك فيها الإنسان وسائر الحيوانات؛ كالشجاعة، والجرأة، والإقدام، والقوة، والشفقة، وغيرها، وبه أظهر الله فضل آدم على الملائكة، وأمرَهم بالسجود له.



وأَنقُل إليك وصيةً لصحابي جليل - معاذ بن جبل رضي الله عنه - كلمات دافِعة، تبعَث الحياة في كل جسم ولو كان مريضًا هامدًا، قال معاذ - رضي الله عنه -: "تعلَّموا العلم؛ فإنَّ تعلُّمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمَه لمَن لا يَعلمه صدقة، وبَذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل أهل الجنة دار السلام، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغُربة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على الدين، والمُعين على السراء والضراء، والسلام على الأعداء، والزَّيْن عند الأَخِلاء، يرفع الله به أقوامًا فيَجعلهم في الخير قادة وأئمَّة، تُقتفى آثارهم، ويُقتدى بفعالهم، ويُنتهى إلى رأيهم، ترغَب الملائكة في خلَّتِهم، وبأجنحتها تَمسحُهم، يَستغفِر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه؛ لأن العلم حياة القلوب مِن الجهل، ومصابيح الأبصار من الظُّلَم، يبلغ به العبد منازل الأخيار والدرجات العُلى في الدنيا والآخرة، مدارسته تعدل القيام، به تُوصَل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام، وهو إمام العمل، يُلهمه السعداء، ويُحرَمُه الأشقياء".


يقول لقمان لابنه: "يا بنيَّ: إن الحِكَم أجلست المساكين مجالس الملوك".



11- لأن طلب العلم فريضة؛ حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الطبراني في معجميه الكبير والصغير، والخطيب في تاريخ بغداد، وصححه الألباني -: ((طلب العِلم فريضَة على كل مسلم))، وفي رواية: ((على كل مؤمن)).



12- لتَحصيل فضائله الكثيرة التي سبَق بعضها، وأذكر الآن منها بعضًا آخَر، مؤكِّدًا على أنه لا يُحصَر فضل العِلم: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لكُمَيل - وهو في تهذيب الكمال -: "احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة؛ فعالِم رباني، ومتعلِّم على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق، يَميلون مع كل ريح، لم يَستضيئوا بنور العلم، ولم يَلجؤوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يَحرسك، وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، والمال تُنقصه النفقة، ومحبة العالم دين يُدان بها، باكتساب الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تَزول بزوال صاحبه؛ ماتَ خُزَّانُ المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة".



فللعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، وأهله هم ورثة الأنبياء، وفضل العالِم على العابد كما بين السماء والأرض؛ فعن قيس بن كثير قال: قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء بدمشق، فقال: ما أقدمك يا أخي، فقال: حديث بلغَني أنك تُحدِّثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أما جئتَ لحاجة؟ قال: لا، قال: أما جئتَ لتجارة؟ قال: لا، ما جئت إلا في طلب هذا الحديث، قال: فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من سلك طريقًا يَبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنَّة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومَن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالم على العابد كفَضلِ القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورَثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمَن أخذ به أخذ بحظٍّ وافر))، والحديث رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني.



والعلماء هم أُمَناء الله على خلقه، وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحلٌّ لهم في الدين خطير؛ لحِفظهم الشريعة من تحريف المُبطِلين، وتأويل الجاهلين، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم؛ فقد أوجب الحق - سبحانه وتعالى - سؤالهم عند الجهل فقال: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وهم أطباء الناس على الحقيقة؛ إذ مرض القلوب أكثر من مرض الأبدان، فالجهل داء، وكما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود، وابن ماجه، وصححه الألباني: ((فإنما شفاء العيِّ السؤال)).



وإن المتتبِّع لآيات القرآن وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ليَجدها تَفيض بالحثِّ على طلب العلم وبيان خطورته وأهميته، ومن ذلك:

1- قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، فأهل العلم هم الثقات العُدول، الذين استشهد الله بهم على أعظم مَشهود؛ وهو توحيده، وكَفى بذلك منقَبَة لهم.



2- العلم نور يُبصر به المرء حقائق الأمور، وليس البصر بصر العين، ولكن بصر القلوب: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، ولذلك جعَل الله الناس على قسمَين؛ إما عالم وإما أَعمى؛ فقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾ [الرعد: 19]، ولهذا عبَّر الله بالفعل "رأى" دلالة على العِلم؛ فقال: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ﴾ [سبأ: 6]، فلم يَقُلْ: ويعلم، وهذه - والله أعلم - إشارة إلى العلم وأثره في القلوب التي صارَت به تُبصِر وترى الحق، ولا يَلتبس عليها بالباطل.



3- والعِلم يُورِث الخشيَة؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وقد مدَح الله أهل العلم، وأثنَى عليهم، وجعل كتابه آيات بينات في صدورهم، به تَنشرِح وتفرَح وتسعد؛ فقال: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].



4- أمَر الله بالاستِزادة مِن العلم، وكفى بها منقبَة عظيمة للعلم؛ حيث لم يأمر الله نبيه أن يستزيده إلا من العلم؛ فقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].


5- أخبر الله - سبحانه وتعالى - عن رفعة درجة أهل العلم والإيمان خاصة: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].


6- العلم أفضل الجِهاد؛ إذ من الجهاد جهاد بالحُجَّة والبيان، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء، وهو أعظم منفعَةً مِن الجهاد باليد؛ لشدة مؤنته، وكثرة العدوِّ فيه، فسبيل الله هي الجهاد وطلب العِلم ودعوة الخَلقِ إلى الله، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن جاء مسجدي هذا، لم يأتِه إلا لخير يتعلَّمه أو يُعلِّمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومَن جاءه لغير ذلك، فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره))؛ أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني.



7- لم يجعل الله التحاسد إلا في اثنتين؛ بَذلِ المال، وبَذلِ العلم؛ كما في الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويُعلِّمها، ورجل آتاه الله مالاً، فسلَّطه على هلكتِه في الحق))، وهذا - والله أعلم - لشرف الصنيعين، وحثِّ الناس على التنافس في الخير، فصار صاحب المال محمودًا لمَّا أنفقَ مالَه تبعًا لقانون العلم، فلا يعلم المرء الحق من الباطل إلا بالعلم.



8- لا يَنقطِع عِلم العالم بموتِه، بخلاف غيره ممَّن يَعيش ويَموت، وكأنه مِن سقطِ المتاع، أما أهل العلم الربانيُّون، الذين يُنتفَع بعِلمهم مِن بَعدهم، فهؤلاء يُضاعَف لهم في الأجر والثواب - شريطة الإخلاص - كما في صحيح مسلم: ((إذا مات ابن آدم، انقطَع عمله إلا من ثلاث؛.. أو عِلم يُنتفَع به..)).


9- كلُّ ما في الدنيا هالك وإلى زَوال، تتنزَّل عليه اللعنات، والمرحوم مِن ذلك صنفان من الناس؛ أهل العلم وطلبته، والعابِدون الذاكِرون الله كثيرًا؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالمًا أو مُتعلِّمًا))؛ أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.



10- مَن رُزق فِقهًا في الدين فهو الموفَّق على الحقيقة؛ فالفقه في الدين من أعظم المِنَن؛ فعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن يُرِد الله به خيرًا، يُفقِّهه في الدين))؛ أخرجه الترمذي، وصحَّحه الألباني.



11- العلم مقدَّم على العبادة، ففَضلٌ في علم خير من فضلٍ في عبادة، كما رَوى البيهقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وفضل في عِلم خير من فضل في عبادة))؛ صححه الألباني.



12- يكفي طالب العلم فضلاً أن الله يُسخِّر له كل شيء ليَستغفر له ويدعو له؛ فعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صاحب العِلم يَستغفِر له كل شيء، حتى الحوت في البحر))؛ أخرجه أبو يعلى، وصحَّحه الألباني.



13- طلبة العلم هم وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقد قال فيما رواه عنه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((سيأتيكم أقوام يَطلُبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبًا بوصية رسول الله، وأقنوهم))، قال الراوي: قلت للحكم: ما أقنوهم؟ قال: "علموهم"؛ أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني.


14- أهل العلم الذين يُبلِّغون الناس شرع الله هم أنضر الناس وجوهًا، وأشرفهم مقامًا، بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجه ابن ماجه وصحَّحه الألباني -: ((نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فبلَّغها، فربَّ حامل فقهٍ غير فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه)).


15- مِن شرف العلم وفَضلِه، أن الله امتنَّ على أنبيائه ورسله بما آتاهم منه، دلالةً على عِظَمِ المنَّة.



16- مِن شرف العلم وفضله - كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أن كل من نُسب إليه فرح بذلك - وإن لم يكن مِن أهلِه - وكل مَن دُفع عنه ونُسب إلى الجهل عزَّ عليه، ونال ذلك من نفسه، وإن كان جاهلاً.



17- حديث مسلم: ((مَن دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا يَنقُص ذلك من أجورهم شيئًا)).



فلك أن تتصوَّر - رحمك الله - كم من الحسنات تُسجَّل في صحائف أهل العلم، والكلمة الواحدة قد يَهتدي بها ألوفٌ مؤلَّفةٌ من البشر؛ ولذلك فإنه لا يُعلم عملٌ أنفع لصاحبه من مثل تعليم الناس العلم - على تفصيل في ذلك - ولهذا كان أهله هم الملوك على الحقيقة - وإن كانوا بلا تيجان - بل ربما يَغبِطهم الملوك.



18- قول العالم معتَبَر في الشريعة، فهو الناطق بالحق في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد؛ لأنه أبصر الناس بالخير والشر.



ثانيًا: على طالب العلم أن يَصرِف همَّه وعنايته عند تلقيه العلم، وتفقُّهه في دين الله إلى العلوم العملية، وإلى الجوانب العملية في العلوم، فكل علم فيه جوانب يتعلق بها العمل، وفيه جوانب زائدة عن ذلك، تُعَدُّ من باب الترف العلمي، والأعمار محدودة - كما ذكرتُ - لا تتَّسع لكل تلك العلوم، فعليك أن تغتنم عمرك، وتُركِّز على الجوانب التي يتعلق بها العمل، لا تصنَع مثل الفلاسفة، ضيَّعوا في الأوهام أعمارهم؛ في أمور نظرية جدلية لا طائل مِن ورائها، حتى صار الشكُّ هو زبدة علوم الفلاسفة، الشك عندهم هو أول الطريق وهو نهايته، وخذ مثالاً على ذلك: تعريف الماهيات مِن أهمِّ مطالب الفلاسفة ومَن نهَج نهجَهم من أهل الكلام، ومع ذلك يرَون أن تعريف ماهيات الأشياء غير ممكن! اشتغلوا به، وضيَّعوا أعمارهم فيه، ثم قالوا: هو غير ممكن! لماذا؟ قالوا: لأنَّ كل جوهر له فصول مجهولة، وأنت لا تَعرِف ماهية الشيء حتى تعرف فصول الجوهر كلها.



إذًا ما فائدة الاشتغال بتعريف الماهيات بأسلوب الفلسفة والجَدل العقيم؟ يُعرِّفون الملك فيقولون: هو جوهر بسيط ذو نهاية ونُطقٍ عقليٍّ، تَحتاج إلى عمرٍ لكي تفهم هذا الكلام!



والتعريف المشهور عندهم للإنسان: أنه حيوان ناطق مائتْ، وبعضهم يقول: ضاحك، ولو اطَّلعتَ على اعتراضاتهم على هذا التعريف لعلمتَ أنه لا يُمكن تعريف الإنسان بطريق الفلسفة.



وأغرب من هذا تعريف الكوكب الذي يَجري في الفلك، حتى هذا أرادوا تعريفه بأسلوب الفلسفة! فقالوا: هو جسم بسيط كُرِّيٌّ مكانه الطبيعي الفلك، من شأنه أن يُنير، يدور حول وسطه دون أن يشتمل عليه، كم تحتاج لكى تفسِّر هذا الكلام؟!



ومع هذا، فإن الأسلوب النظري الجدلي دخَل في كثير من العلوم الإسلامية فكدَّر نقاءها وصفاءها، خاصة: أصول الفقه، والفقه، والنحو، والبلاغة، بل حتى التجويد! وهو من أبعد العلوم عن صفة النظرية والجدلية، إنه علم عمليٌّ، غايته معرفة صفة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك دخله التنظير الجدليُّ الفلسفيُّ والتعقيدات اللفظية، مَن درس هذا العلم من كتبه المطوَّلة يجد مسائل كثيرة لا صِلة لها بالنُّطق، ولا بصفة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - لو لم تعرف تلك المسائل لا يَضير نُطقك شيئًا؛ مثال ذلك المدود، رأيت في كتاب الشيخ الجوهري - رحمه الله - الكلام عن بضع وعشرين نوعًا، وذكر أن بعضهم أوصلها إلى حوالي أربع وثلاثين، وقريبًا من ذلك في نهاية القول المفيد للشيخ: محمد مكي نصر - رحمه الله - وعندما تُمحِّص هذه الأنواع وتدرسها تجد أن الذي يتعلَّق بنطقك منها خمسة فقط، وباقي الأنواع إما من باب التعقيدات اللفظية، أو الترف العلمي.



علم أصول الفقه من أعظم علوم الوسائل، كان علمًا عظيم الشأن يوم ألَّف فيه الإمام الشافعي والشاطبي وأمثالهما، ثم دخلته الفلسفة فأفسدتْه.



هذا العلم يتعلق بالتأصيل الفقهي، طرائق الفقه، كيف تَستدلُّ، وكيف تَستنبِط، مِن أين تُؤخذ الأحكام، وكيف تأخذها؟ ثم دخلت الفلسفة، فصرتَ تجد في كتب أصول الفقه مثل هذا المبحث: "شُكر المُنعِم ليس واجبًا عقلاً خلافًا للمعتزلة"، المُنعِم هو الله - سبحانه وتعالى - فشكره ليس واجبًا عقلاً عند الكلاميين، وهو واجب عقلاً عند المعتزلة المتفلسفين، فهذا مبحث فلسفيٌّ، ماذا يتعلق به من عمل؟! ماذا يهمُّ الطالب من هذا المبحث؟! وكيف دخل في أصول الفقه؟!



بل الأعجب من هذا أن الفقه نفسه - فقه الأحكام الشرعية - دخله التعقيد الفلسفي الجدلي، والتعقيد اللفظي، والبحث عن الماهيات، وتعريفها بأسلوب الفلسفة؛ تجد من الفقهاء مَن عرَّف الذبائح بقوله: "الذبائح لقب لما يُحرَّم بعض أفراده مِن الحيوان لعدم ذكاته أو سلبها عنه ما يباح بها مقدورًا عليه"، ما الحاجة إلى هذا؟ هذا كلام لو مكثتَ على تحليله شهرًا لما فهمتَه!


أعجب منه أنه عرَّف الإجارة بقوله: "بيع منفعَةِ ما أمكن نقلُه غير سفينة ولا حيوان، لا يُعقل بعوض غيرِ ناشئ عنها بعضه يتبعَّض بتبعيضها"، سبحان الله! هذا تعقيد لفظي لا تحتاج إليه الأمة، ولا يستفيد منه الطالب، لكن الفلسفة دخلت بلوثتها حتى في الفقه.



الإجارة: "مُعاوَضة على منفعَة" وانتهينا، كما أن البيع: "مُعاوَضة على أعيان"، فالإجارة معاوضة على منافع.



فعلى الطالب أن ينتبه إلى الجوانب العمَلية، ولا يقع في شباك مثل تلك المصنَّفات الحافلة بالتعقيدات اللفظية، والتي صُنِّفت - غالبًا - في عصور الانحطاط، عصور غلبة الفلسفة والجدل على العلوم الإسلامية، فاحذر من الوقوع في حبائل مثل هذه الكتب، وابحث عن الكتب التي تُعطيك العلم من أيسر طريق وأقومه.



ثالثًا: على طالب العلم أن يَحرِص على سلَّم التعلم الذي اصطلَح عليه العلماء، وأن يَحرص على التدرُّج فيه؛ فالعلم لا يُنال قفزًا، إذا قفزتَ من فوق الجدران فزلَّت بك قدمُك، وسقطت على أمِّ رأسك في مجال التعلُّم، فلا تلومنَّ إلا نفسك؛ لأنك بدلاً من أن تأتي البيوت من أبوابها، أردت أن تقفز من فوق الجدران، إذا حاولت أن تستغني عن سلم التعلم، وعن التدرُّج فيه، فإنك لن تصل إلى العلم أبدًا.



فعلى الطالب في سلم التعلم هذا أن يَحرص على التأسيس العلمي الصحيح المتقَن، فيتلقى أوليات كل علم من أهله، ويتلقاه من الأكابر دون الأصاغر؛ وأعني بالأكابر: العلماء الذين أفنوا جُلَّ عمرهم في العلم، فتمرَّسوا بمسائله، وتغلَّبوا على مشاكله، وعركتْهم التجارب، فتستفيد من هؤلاء الأكابر علمًا وعقلاً وحكمة وتوجيهًا وتربية، تكتسب علمًا وأدبًا، وهذا كان منهج السلف؛ يتلقون العلم مع الأدب؛ فالأدب بلا علم لا يصلح، والعلم بلا أدب يَجني على صاحبه ويُهلكه.



قال ابن المبارك - رحمه الله -: نحن إلى قليل من الأدب أحوج مِنا إلى كثير من العلم؛ ولهذا أحيلك على كتاب: "حلية طالب العلم"؛ للشيخ: بكر أبو زيد، مع شرحه للشيخ: العثيمين - رحمهما الله.


إذًا تأخذ العلم عن الأكابر دون الأصاغر؛ إذ هم في الغالب لم يتفقَّهوا بعدُ، ولم يَختمِر عِلمُهم، ولم تكتمل تجربتُهم، ولم تتفتَّق قريحتُهم، ولم تنضج عقولهم، فيغلب عليهم الاستعجال والاندفاع والتسرُّع في الأحكام، وأخطر من هذا كله أنه قد يَغلب عليهم الشطط في الفهم، لا يفهمون نصوص الكتاب والسنَّة كما ينبغي، فيقعون في سوء الفهم، وفي التسرُّع في الحكم، ويَجرُّهم ذلك للبدعة، وهذا هو غالب الحال، وليس معنى هذا أن كل الأصاغر هذا شأنهم، فأحيانًا - وإن كان هذا نادرًا - يَنبغ الصغير فينافس الشيوخ الكبار ويكاد يفوقهم، كأمثال الشافعي وابن تيمية وغيرهم - رحمهم الله.



رابعًا: على طالب العلم أن يَحذر القراءة العشوائية، وعليه أن يَستشير من هو أعلم منه؛ ليوجهه الوجهة الصحيحة، ولا ينتقل من كتاب إلى آخر في نفس الفرع قبل أن يُتقن الأول.


خامسًا: على طالب العلم أن يعلم أن طريقة تجميع مسألة واحدة مِن عدة كتب طريقة غير ناجحة للمُبتدئين، تضيع فيها الأوقاتُ بلا تحصيل، فليَعتبِر الكتاب الموجود هو الوحيد في مجاله حتى يُنهيه بإتقان.



سادسًا: على الطالب كذلك أن يَحرص على اقتناء النسخ المحقَّقَةِ من الكتب، حتى يُكفى عناءَ البحث عن صحَّة الحديث، لا سيما لأئمَّة المُحقِّقين؛ كالشيخ أحمد شاكر والأرناؤوط والألباني، وغيرهم من أهل الثقة والرسوخ في هذا المجال، ولا يَنخدع بما يكون على غلاف الكتب من المتاجرة بأسماء الشيوخ اللامعين في سماء هذا العلم، وليحذر ممَّن يفعل ذلك.



سابعًا: على الطالب أن يلزم مجالس العلماء، ويُخالط طلاب العلم، فإنما العلم بالتعلم، وليعلم أنه كلما كبر كبر شيخُه، فليحذر مِن العُجبِ والتسويف.



ثامنًا: إنما السيل اجتماع النقط، فعلى الطالب أن يتدرَّج في سلم العِلم ويترقى، ولا يَيئس، ولا يَستعجِل؛ فمَن استعجل شيئًا قبل أوانِهِ، عُوقب بفواته وحرمانه.



تاسعًا: على طالب العلم أن يكون مع الذين استثناهم الله من الخسران في سورة العصر؛ حيث قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].



فبالعِلم تُحَصِّلُ الإيمانَ، وتتنقَّلُ في العمل الصالح، وتُبلغُ غيرَك ما تعلمته، فهي أربعُ صفاتٍ للناجِين من الخسران؛ الإيمانُ والعملُ الصالح والدعوةُ والصبر عليها.



أربعة خطوط متوازية لئلا تَخرُج الشخصية غير المُتَّزِنَةِ، ولك أن تفهَم وترى أن الله عطف هذه الصِّفات بحرف الواو الذي يدلُّ على المُصاحَبة، فإياك وشبهات المثبِّطين، وتأويلات الجاهلين، فتترك الدعوة حتى تَصير بزعمهم من العلماء، ثم تدعو إلى الله بعد ذلك، بل اعمل بوصيَّة رسولك - صلى الله عليه وسلم -: ((بلغوا عني ولو آية)).


المصدر شبكة الألوكة
2085 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

السؤال

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وبعدُ:

لا بأس إنِ اجتهد تلميذ كلية العلوم لاجتياز الاختبار، والحصول على الشهادة، لكننا - نحن طلابَ العلوم الشرعية - لا يصح لنا بحالٍ منَ الأحوال أن نجتهدَ في طلَب العلْم الشريف للدُّنيا.

ولكن المشكلة أننا اليوم - طلاَّبَ العُلُوم الشرعيَّة - نَسير وفْق برنامج أكاديمي يتطلَّب منَّا الحضور والمراجعة لاجتياز الاختبارات، فأخشى أن تكونَ نيتُنا لهذه الأمور، فمَن منَّا لا يُريد النجاح، لكن النجاح الأكبر في الآخرة.

فكيف نُوَفِّق بين ما يتطلبه النظام، وبين ما يتطلبه الإخلاص لله ربِّ العالَمين؟

وجزاكم الله خيرًا

الجواب

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رَسُول الله، وعلى آلِه وصَحْبه ومَن والاه، أمَّا بعْدُ:

فما ذكره الأخ الكريم يُمكن أن يندرجَ تحت قاعدة "الأمور بمقاصدها"؛ بمعنى: أنه إن أحْسَنَ النِّيَّة في طلَب العلم، فقَصَد به وجْه الله - عزَّ وجل - والعمل به، وإحياء الشريعة، وتنوير قلْبه، وتحْلية باطنه، والقُرب من الله - تعالى - يوم لقائِه، والتعرُّض لما أعَدَّ لأهله مِنْ رضْوانه، وعظم فضْله - كان كل ما يفعله - تحقيقًا لتلك النية النبيلة، والقصد الصالح - تابعًا لها، ويكون حضوره للجامعة والجد في الامتحان والتفوُّق وغيرها من العبادات التي يؤجر عليها - إن شاء الله - بالنيَّة الأصلية، ولا يمنع هذا مِنْ تجديده نيته من وقت لآخر، كما يُجدِّد المسلم إيمانه، فهذا مما يدفعه دائمًا للجدِّ في دراسته؛ لأن في زحمة الحياة قد ينْسَى المرءُ مقاصده الأصليَّة.

هذا؛ والعلم ابتداؤه بالنِّيَّة الحسنة، ودوامه بحُسن الخلُق، وسداد السيرة، والقيام بالحقوق الواجبة، ولا يقصد به الأغراض الدنيوية؛ مِنْ تحصيل الرِّياسة، والجاه، والمال، ومباهاة الأقران، وتعظيم الناس له، وتصديره في المجالس، ونحو ذلك، فيستبدل الأدنى بالذي هو خير، وليتذكر طالبُ العلم دائمًا أن العلم عبادة من العبادات، وقُربة من القرَب، بل هو أعظم من صلاة النافلة وقيام الليل؛ لأنَّ فضلَه مُتَعدٍّ، فإن خلصتْ فيه النية قُبِل وزَكَا ونَمَتْ بركتُه، وإن قصد به غير وجْه الله حبط وضاع، وخسرتْ صفقته، وربما كان ذلك سببًا في فوات تلك المقاصد، فلا ينالها فيخيب قصْده، ويضيع سعيه، فالنيةُ أشق شيءٍ على النفس؛ لأنه ليس لها حظ فيه؛ قال سفيان الثوري: "ما عالجتُ شيئًا أشد مِن نيَّتي".

قال أبو عبدالله ابن القيم في "مفتاح دار السعادة":

"فطلَبُ العلم من أفْضل الحسنات، والحسناتُ يُذهبْن السيئات، فجديرٌ أن يكونَ طلبُ العلم ابتغاء وجه الله يُكَفِّر ما مضى من السيئات، فقد دلَّت النصوص أنَّ إِتْبَاع السيئةِ الحسنةَ تمحوها، فكيف بما هو مِن أفضل الحسنات، وأجَلِّ الطاعات؟! فالعمدةُ.

وقد رُوي عن عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنَّ الرجل لَيَخْرُج مِنْ منْزله وعليه من الذنوب مثل جبال تِهامة، فإذا سمع العلم، خاف ورجع وتاب، فانصرف إلى منْزله وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجالسَ العلماء".

وقال أيضًا: "إنَّ العالم المُشتغلَ بالعلم والتعليم لا يزال في عبادة، فنَفَسُ تعلُّمِه وتعليمه عبادة"، قال ابن مسعود: "لا يزال الفقيهُ يُصلِّي، قالوا: وكيف يُصلِّي؟ قال: ذِكْرُ اللهِ على قلبه ولسانه".

ذَكَرَهُ ابن عبدالبر.

وفي حديث معاذ مرفوعًا وموقوفًا: ((تعلَّمُوا العلْم؛ فإنَّ تعلُّمه لله خَشْية، وطلَبُه عبادة، ومُذاكرته تسبيح))، والصواب أنه موْقوف.

وقال ابن وهْب: "كنتُ عند مالِك بن أنس فحانتْ صلاةُ الظهر أو العصر وأنا أقْرأ عليه، وأنْظُر في العلم بين يديه، فجمَعْتُ كُتُبي وقمْتُ لأرْكع، فقال لي مالِكٌ: ما هذا؟ فقلتُ: أقوم إلى الصلاة، فقال: إن هذا لعَجَب! ما الذي قمتَ إليه أفضل منَ الذي كنتَ فيه إذا صحَّتْ فيه النيةُ".

وقال الرَّبيع: "سمعتُ الشافعي يقول: طلَبُ العلم أفْضَل منَ الصلاة النافلة".

وقال سفيانُ الثوري: "ما مِنْ عَمَلٍ أفْضل مِنْ طلَب العلم إذا صحَّتْ فيه النيَّة".

وقال رجل للمُعافَى بن عمران: "أيُّما أحب إِلَيْك؛ أقوم أُصَلِّي الليل كله، أو أكْتُب الحديث؟ فقال: حديث تكتبه أحب إليَّ مِنْ قيامك مِن أول اللَّيْل إلى آخره".

وقال أيضًا: "كتابة حديثٍ واحد أحب إليَّ مِنْ قيام ليلة".

وقال ابن عباس: "تذاكُرُ العلمِ بعضَ ليلة أحب إليَّ مِنْ إحيائها".

وفي مسائل إسحاق بن منصور: "قلتُ لأحمد بن حنبل: قولُه: تذاكُرُ العلمِ بعضَ ليلةٍ أحب إليَّ مِنْ إحيائها؛ أيُّ علمٍ أراد؟ قال: هو العلمُ الذي ينتفع به الناس في أمرِ دينهم، قلتُ: في الوضوء، والصلاة، والصوم، والحج، والطلاق، ونحو هذا؟ قال: نعم".

قال إسحاق: "وقال لي إسحاق بن راهوَيْه: هو كما قال أحمد".

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "لأن أجْلِس ساعةً فأَتَفَقَّه في ديني أحب إليَّ مِنْ إحياء ليلةٍ إلى الصباح".

وقال محمد بن علي الباقر: "عالِمٌ يُنتفَعُ بعِلْمِه أفضل من ألْف عابد"، وقال أيضًا: "روايةُ الحديث وبثُّه في الناس أفضل مِنْ عِبادة ألْفِ عابدٍ".

ولَمَّا كان طلبُ العلم والبحثُ عنه وكتابتُه والتفتيشُ عليه من عمَل القلْب والجوارح، كان مِن أفضل الأعمال، ومنزلتُهُ مِنْ عمَل الجوارح كمنزلة أعْمال القلْب من الإخلاص والتوَكُّل، والمحبَّة والإنابة، والخشية والرضا، ونحوها من الأعمال الظاهرة". اهـ موضع الحجة منه مختصرًا.

والله أسأل أن يرزقنا وإياك الإخلاص في السِّرِّ والعلَن.

المصدر شبكة الألوكة

2044 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

الحمد لله الذي يُفقِّه مَن أراد به خيرًا في الدِّين، ويرفع درجات العلماء العامِلين، فيجعلهم أئمَّة للمتَّقين، وهُداة للعالمين؛ ﴿ لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4].

وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الذي أنزَلَ الله عليه الكتاب والحِكمة، وعلَّمه ما لم يكنْ يعلم، وكان فضْلُ الله عليه عظيمًا، وبعثَه في الأُميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويزكِّيهم، ويعلِّمهم الكتاب والحِكمة، وإنْ كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين، وآخرين منهم لَمَّا يَلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم، ذلك فضْل الله يُؤْتيه مَن يشاء والله ذو الفضل العظيم.

صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].

أما بعدُ:

فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى - وأقبِلوا على تعلُّم ما أنزَلَ الله عليكم من الكتاب والحِكمة، والتفقُّه فيهما، والعمل بهما، يعلِّمكم الله ويجعل لكم فرقانًا ونورًا تمشون به، ويُكفِّر عنكم سيِّئاتكم، ويَغفر لكم والله ذو الفضل العظيم؛ فإنهما قد اشتَملاَ على العلم النافع، المثْمِر لكلِّ عمل صالحٍ، والدال على كلِّ خير في العاجلة والآجلة، والموصِّل إلى رضوان الله وجنته؛ ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15 - 16].

أيها المسلمون، تعلَّموا العلم الموروث عن نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّم من الكتاب والسُّنة، وعلِّموه أهليكم وذويكم؛ فإنَّ حاجتكم إليه شديدة، وضرورتكم إليه عظيمة، أعظم من حاجتكم إلى الغذاء والدواء، والهواء والضياء، فإنَّه نور يُهتدى به في الظلمات، وسببٌ يُتوصَّل به إلى الخيرات، به يُعرف حقُّ الله على عباده، وما للمُتَّقي عنده من الخير يوم معاده، وبه تُعرف الأحكام، وتُوصَل الأرحام، ويُفرَّق بين الحلال والحرام، وهو الباعث على الإحسان في العمل والإخلاص، وهو لكلِّ كَلِم طيبٍ وعمل صالحٍ أساس، وهو أفضل مُكتَسب، وأشرف مُنتسب، وأنْفس ذخيرة تُقْتَنى، وأطيب ثمرة تُجْتَنى، وهو وسيلة الفضائل، وسببٌ يُلحق بالسابقين الأوائل.

فتعلَّموا هذا العلم، وأخلصوا لله فيه، تكونوا لربِّكم تعالى مُتَّقين، ولنبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّم وارثين، وبأشرف الحظوظ آخذين، ولطريقِ الجنة سالكين، وإنَّما العلم بالتعلُّم، والفقه بالتفقُّه، ومَن يُرد الله به خيرًا، يُفقِّهه في الدِّين، فمَن عَلِم الله فيه خيرًا سمَّعه، ومَن اتَّقى الله - تعالى - كان معه، فإنه - سبحانه - يُسمع مَن يشاء، ويهدي من يشاء، ويُؤتي الحِكمة من يشاء، ومَن يُؤْتَ الحِكمة، فقد أُوتِي خيرًا كثيرًا، وما يذكَّر إلا أولو الألباب.

أيها المسلمون، إنَّما يُراد من العلم خشية الله تعالى فكلُّ علمٍ لا يُورث صاحبَه الخشية، فهو تعبٌ على صاحبه في تحصيله وجَمْعه، وضرره عليه أكثر من نفعه، فاطلبوا من العلم ما يُثمر خشية الله تعالى ولن تجدوا ذلك إلاَّ في كتاب ربِّكم تبارك وتعالى وسُنة نبيِّكم محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ألا وإنَّ العلم النافع نورٌ يَقذفه الله في قلب العبد، إذا سلَكَ سبيلَه، ورغب تحصيله، وأخْلص لله قصدَه، وبذَلَ من أجْله غاية جُهدِه، فإذا استقرَّ ذلك النور في القلب، صلَح به القلبُ، وانشرح به الصدر، وزكتْ به النفس؛ فطابت الأقوال، وكرمتِ الأعمال، وحَسُنتْ به السريرة، وجملتْ به السيرة، فأضحى صاحبه وارثًا للنبوَّة، سالكًا طريقَ الجنة، إمامًا يُقتدى به إلى آخر الدهر، فلا يعلم إلاَّ الله ما ينال من الأجر؛ ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

فاتقوا الله أيها المؤمنون وامضوا أعمارَكم في طلب العلم النافع، تحصلوا على جميع المنافع، لا سيَّما وقد يسَّر الله لكم في هذا الزمان سُبلَه، وهيَّأ لكم وسائله، فقد شاعَ العلم في سائر الأقطار، وبلغَ ما بلَغَ الليل والنهار، يسير فوق الرياح، ويُسْمَع في الغدو والرَّواح، يدخل خَفي البيوت، ويَسْرح في الفلوات؛ فقد والله قامتْ في هذا الزمان علينا الحُجة، واتَّضحتْ لنا المحجَّة، فاذكروا نعمة الله عليكم، واشكروا جميل إحسانه إليكم، واستعملوا نعمَه في طاعته، ولا تجعلوها وسيلةً لمخالفته ومشاقته، ولا تُعرِضوا عن ذِكْره، ولا تخالفوا عن أمره، بل اتَّبِعوا هُداه، واتَّصفوا بتقواه، وتفقَّهوا في دينه، وأنذروا قومَكم لعلَّهم يَحذرون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.


المصدر شبكة الألوكة
1959 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لعلَّ في هذا الزمان الصعب الذي لا يُمِدك بالاستقرار المعيشيِّ إلَّا على زادٍ ماديٍّ، وجُهدٍ فكريٍّ كبير في تحصيل هذه المادة، ويبقى صاحبُ العلم في زُهدٍ دائمًا حتى لا يكاد يَملِك شيئًا؛ لأنه أدرَك أن رزْقه ذلك العلم، وأن العلم خيرٌ كثير، ولكن المشكلة التي تواجِهه أنه إذا استمرَّ في البحث عن العلم قبل العمل ضاعتْ منه طاقات عزم وإرادة في البحث العلميِّ، ويصعُب استدراكها، وللعلم فإن الفكر الذي شغلته مبادئ الإصلاح، وأغوال الدراسات العلمية، يجب أن يَقضي لها الوقت كله، كي تكون خيرَ سندٍ - إن شاء الله- ولا يُهِمه إن كان فقيرًا أو غنيًّا.

ومن ثَمَّ يأتي السؤالُ الذي أريد جوابه من سيادتكم: هل الواجب علينا البقاء في العلم الوقت كله؟ أو أن نسعى أولًا للبحث عن العمل، ثم العمل ثم العلم؟!

الجواب

بسم الله الموفِّق للصواب

وهو المستعان

أيها الأخ الفاضل، لا تُجنَى الثمرةُ بغير غرْس الشجر، والعلمُ شجرة، والعملُ ثمرتُه، فمِن أجْل هذا قُدِّم العلمُ على العمَل، قال يحيى بن معاذ: العلمُ قبل العمَل، والعقلُ قائدُ الخير، والهوى مركبُ المعاصي، والمال داء المتكبِّر"؛ ["الإمتاع والمؤانَسة"، للتوحيدي،] وفي "البصائر والذخائر" يقول أبو حيان: "ومَن عرف المتبوع من التابع، حطَّ التابع عن درجة المتبوع، والعلم هو المتبوع، والعمل هو التابع، وبالعلم يصِحُّ العمل، ولا يصلُح العلم إلا بالعمل، وقليل العمل مع كثير العلم يَسدُّ خللًا ظاهرًا، ويرقِّع فتْقًا مُنكَرًا".

وعلى أنَّ العلم مقدَّم على كلِّ مقدَّم، إلا أنه ليس من العقل في شيء أن يفني المرءُ عمره في طلب العِلم، ومواصلة الدراسات العُليا، تاركًا العمل والبحث عن وظيفة، والاحتراف بالحِرف والصناعات، "قال داود الطائي: أرأيت المحارب إذا أراد أن يَلقى الحرب، أليس يجمع آلته؟! فإذا أفنى عمره في جمع الآلة، فمتى يُحارِب؟! إنَّ العلم آلة العمل، وإذا أفنى عمره في جمْعه، فمتى يعمل؟! كان إبراهيم بن أدهم يستقي ويرعى، ويعمل بكِراء، ويحفظ البساتين للناس والمزارع، ويحصُد بالنهار، ويصلِّي بالليل"؛ ["ربيع الأبرار"؛ للزمَخْشَري]، وفي المقابل ليس من العقل في شيء أن يفنيَ المرء عمره في العمل والاحتراف، تاركًا طلب العلم والزيادة فيه، بل لا بُدَّ مِن تحقيق التوازُن بين العلم والعمل مِن بعد أن يتعلَّم أولًا ويُنهي تعليمه الجامعي ثم يشتغِل ويطبِّق بعض ما تعلَّمه، وهو أمْر تُتيحه بعضُ الوظائف الحكومية؛ حيث تمنَح العامل في الدائرة فرصةً لاستكمال تعليمه العالي "الماجستير أو الدكتوراه" بشكلٍ متزامِن مع العمل نفسه، بدون أن يعارِضه أو يعطِّل عمله، فإن لم يتوفَّر ذلك كان في المستطاع استقطاع إجازة لمواصَلة الدراسات العليا، بما يُسهِم في الرُّقي الوظيفيِّ، والزيادة المعرفية والمادية، فكلما علا المرءُ درجةً علمية، ازداد دخلُه المادِّيُّ، وارتفعتْ مكانتُه الاجتماعيَّةُ.

وقد استحبَّ العلماءُ لطالب العلم أن يشتغِل في طلب العلم ما دام شابًّا، قال ابن عباس: "ما آتى الله عبده عِلمًا إلا شابًّا، والخير كله في الشباب"، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]، وقوله - عز وجل -: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]، وقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]؛ ["التذكرة الحمدونية"؛ لابن حمدون]، كما استحبُّوا لطالب العلم أن يشتغِلَ في طلب العلم عَزَبًا، وهذه المسألةُ أفرَد لها الحافظُ البغدادي بضع صفحات في كتابه: "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"، فلترجِع إليه لمزيد فائدة، غير أنه لا يصحُّ التعذر بالعمل والزواج والكِبر لعدم الزيادة في طلب العلم، فلو أنها كانتْ أعذارًا مقبولة لما حضَّ اللهُ - سبحانه وتعالى - نبيه الحبيب محمدًا - صلى الله عليه وسلم – من بعد أن تزوَّج وأسنَّ على طلب المزيد من العلم؛ فقال - عز من قائل سبحانه -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وهو العليمُ الخبير


المصدر شبكة الألوكة
1891 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

يحب الإنسان رفع الجهل عن نفسه، وحب الاستطلاع وإضافة الجديد من المعلومات والمعارف إلى خزينته الذهنية في شتى أمور الحياة ومناحيها، وهو شرف عظيم؛ ونبينا صلى الله عليه وسلم أمر بالازدياد من العلم كما في القرآن الكريم ومع ذلك الشرف وتلك الرغبة العظيمة ينبغي ألا تأخذنا كثرة ما تنتجه المطابع والمؤسسات الصوتية من كتب وأشرطة متنوعة، ولا بد من الإحاطة بالعلم أولاً بمعرفة مبادئه، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: " العلم كثير ولن تعيه قلوبكم، فاتبعوا أحسنه".

وقد قال ابن خلدون رحمه الله في مقدمته الشهيرة:" وذلك أن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله، واستنباط فروعه من أصوله، وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلاً".

وقال الشاعر:

وإذا طلبت العلم فاعلم أنه
حِمل فأَبْصر أيَ شيء تحملُ
وإذا علمت بأنه متفاضل
فاشغل فؤادك بالذي هو أفضلُ

وأمتنا الإسلامية تمر بمنعطف فكري عقدي في المقام الأول، وحملة لواء الشريعة والعلم لا بد أن يُبنوا بناءً علمياً أصيلاً ومتكاملاً في شتى المناحي، كما أن التقنية المعلوماتية في هذا العصر غدت مسيطرة على العالم، فلم تعد المسألة مسألة تأصيل علمي بجمع المعارف والحفظ وإنهاء الكتب فحسب، بقدر ما هو إدراك لمتطلبات العصر.

وبين هذا وذاك، من التراث الأصيل والعلم المعاصر، كان لنا هذا التحقيق الذي سعينا فيه إلى الإحاطة قدر الإمكان بكل ما يتعلق بالبناء العلمي، مع متخصصين في هذا الشأن على مدى حقب من الزمن، ومعتنين ببناء الطلبة أكاديمياً وتعليماً في المساجد، وممن نهلوا من معين الأوائل الصافي، حتى يسكبوا لنا من عذب نهرهم الزلال، ومن خبراتهم في هذا المجال، ومن ممارساتهم العملية على مدى الآجال، اختصاراً لطريق شباب الأمة القادمين، وإنهاضاً لأمجادها التي نتمنى أن تعود في شبيبتها المباركين، ويكون علماً ينتفع به على مر القرون، وسعينا كذلك إلى التنويع في الضيوف حتى ننقل خبرات الأقطار والأمصار.

وضيوف التحقيق هم على الترتيب الأبجدي:

د. أحمد الحارث الضاوي/ المغرب.

د. زغلول راغب النجار/ مصر.

د. عبد الله بن مبارك آل سيف/ السعودية.

د. عبد الله وكيّل الشيخ/ السعودية.

الشيخ فهد بن عبد الرحمن العيبان/ السعودية.

د. مختار محمد المهدي/ مصر.

جاءت مسارات التحقيق بشكل عام على محاور، أولها بدايات ومقدمات ومنطلقات عامة في مسيرة البناء:

وافتتحنا تحقيقنا على بركة الله تعالى بسؤال عميق وتمهيدي وهو: هل تنمية التفكير والبناء العلمي كان لها تاريخ في العصور القديمة، وهل كان للقرون السالفة والعصور البشرية القديمة اعتناء بهذا الأمر، وما مظاهره والأمثلة عليه. وقد افتتح لنا الإجابة د/ عبد الله مبارك آل سيف وهو الأستاذ المشارك بكلية الشريعة بالرياض فقال: الحمد لله والصلاة [والسلام] على رسول الله وبعد: في عصر الجاهلية قبل الإسلام لم يعرف للعرب عناية بهذا الأمر، حتى جاء الإسلام ونمى عندهم الاهتمام بالعلم والتأصيل العلمي في كافة العلوم، وفي عصر الإغريق كان أرسطو وأفلاطون وسقراط يهتمون بتنمية ملكة التفكير لدى طلابهم في العلوم المتاحة في زمانهم.

وهذه المسألة كان لها عناية في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده ثم في عصور التابعين، أما في عصر النبوة فكان عليه الصلاة والسلام يسأل أصحابه وهو يعرف الجواب لتحريك أذهانهم وتنمية ملكات التفكير كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر في حديث النخلة.

أما في القرآن الكريم فإن الدعوة للتفكير وردت في مواضع متعددة، فقد وردت كلمة التفكر في أكثر من تسعة عشر موضعاً، والعقل في 49 موضعاً، والفقه في عشرين موضعاً، وقد عني الصحابة رضي الله عنهم بذلك وسار تلاميذهم من التابعين على هذا النهج، وقد نشأت مدرسة الافتراضات الفقيهة في الكوفة والتي كانت تستبق الأحكام قبل نزولها وتناقش حكمها، ولا زلنا نستفيد من افتراضاتها حتى اليوم في النوازل المعاصرة، بل ونشأت العلوم التي تنمي الملكة الفقهية مثل علم الألغاز وعلم الأصول والمقدمات المنطقية وغيرها، وكان العلماء يعتنون بتنمية مهارة الطالب من خلال الأسئلة والأجوبة والاختبارات الذهنية.

ويضيف الشيخ فهد العيبان إضافة شبيهة تقريباً ومفيدة إذ يقول: لا شك أن التاريخ البشري وقع فيه اعتناء بالبناء الفكري والعلمي على مراحل، وما يعنينا هنا هو التاريخ الإسلامي فقد كان للمسلمين علامة بارزة في البناء العلمي؛ وذلك متمثل في المدارس العلمية التي نشأت مع أول ظهور الإسلام بداية بالمعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه حين كان في مكة في دار الأرقم، ثم توالت مدارس العلم والبناء العلمي في المدينة وحلقات العلم التي كان يعقدها لتعليم أصحابه وتلقينهم كما في قصة بسط رداء أبي هريرة في الصحيح، ثم جاء أصحابه من بعده فتفرقوا في البلدان ونشروا العلم فكانت لهم مدارس مشهورة في ذلك، ثم جاء من بعدهم التابعون فاستمرت مدارس العلم في عصرهم وتوسعت في بلدان كثيرة كمصر والشام والمغرب العربي وبلاد فارس وغيرها، ومن مظاهر هذا الاعتناء بالبناء العلمي ما كان يقيمه الخلفاء والسلاطين المسلمين من مدارس اشتهرت في الشام ومصر والحجاز وقام عليها علماء كبار وتنتمي هذه المدارس لمذاهب عدة، كل ذلك يدل دلالة واضحة على العناية الفائقة بالبناء العلمي.

وقد أفاض معنا د/ أحمد الحارث البزوي الضاوي وهو أستاذ التعليم العالي بجامعة شعيب الدكالي الجديدة إفاضة بعيدة بديعة، وتاريخية فكرية عميقة تستحق أن تبحث وتدرس؛ إذ تطرق فيها إلى الحقائق القرآنية والنبوية، ننتقي منها ما يلي حيث قال: إن هذا السؤال يوجب علينا البحث في علم جديد بالنسبة للدراسات القرآنية خاصة، والدراسات الإسلامية عامة، وهو ما يمكننا الاصطلاح عليه بعلم الإناسة القرآني حيث يتم دراسة تاريخ الأجناس البشرية انطلاقاً من رؤية قرآنية تختلف عن الدراسات الوضعية المتأثرة بنظرية التطور الداروينية، والتي هي جزء من الأوبئة التي أصابت الفكر البشري، ولوثت المجال العلمي والمعرفي، وقد أصابنا منها الشيء الكثير؛ إذ أضحينا نفكر بالمنطق نفسه، فلا نتصور الحياة قديماً وحديثاً وفي مختلف المجالات إلا رقياً وتطوراً من الأسوأ إلى الأحسن، ولا نتصور إمكانية حدوث العكس حيث التطور من الأحسن إلى الأسوأ، وهو أمر وارد، بل هناك من الأبحاث في العلوم الطبيعية ما يؤكده، وصدق ربنا إذ يقول:﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين ﴾[2] وكما يؤكده الدعاء المأثور: (اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء). كما تؤكده واقع الحياة، والمشاهدات المتواترة.

إننا لو قلبنا المسألة - وهذا الأمر من صميم نقل الخبرات إلى الأجيال الصاعدة، إذ يبرز لها أهمية الرؤية العلمية، أي زاوية النظر التي ننظر من خلالها للأشياء والقضايا، وهي ما يمكن الاصطلاح عليه بالأطروحة أو الإشكال العلمي أو المنهجي - أقول لو قلبنا المسألة لتغيرت نظرتنا إلى الأشياء، التي تركز على الآني، وتتجاهل الصيرورة والتطور بعيد المدى، فوقعنا أسرى لما يصطلح عليه بنظريات الحالة الراهنة، حيث انعدام الأفق النظري. خلافاً للرؤية القرآنية البعيدة المدى، التي تجعل الإنسان يؤمن بالله الواحد الأحد، الأول والآخر، الظاهر والباطن، المطلق المتعالي عن الزمان والمكان، فتجعل الإنسان في حياته مشدوداً إلى المطلق في بعديه: الجلال والجمال، مما يجعل رؤيته للعالم رؤية شمولية وبعيدة المدى، تستحضر اللحظة الآنية وتؤطرها في صيرورة وتطور بعيد المدى.

ونحن إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نجد حقائق مذهلة عن الحضارات الإنسانية السابقة، وما تلمح إليه من تقدم علمي وتكنولوجي. ولعل الأبحاث الجارية منذ مدة عن الحضارات والشعوب السابقة في أمريكا اللاتينية، ومصر، والممالك الغارقة في البحار المحاذية لآسيا، وغيرها من الحضارات المطمورة في أوروبا وإفريقيا، لتجعل من الحقائق القرآنية بشأن هذه الشعوب والحضارات ذات مصداقية علمية كبيرة، فضلاً عن كونها تفتح آفاقاً جديدة لما يمكن الاصطلاح عليه بعلم (إناسة قرآني)، سيسفر البحث فيه عن حقائق مذهلة تقلب كل المعادلات الراهنة، المستندة إلى وقائع جزئية، ورؤية آنية، وأنا متضخمة، وغرور مرضي، معطل للعقل، ومقيد للفكر.

ويواصل الدكتور الضاوي حديثه الغيور والماتع جداً ذاكراً بعض الحضارات القديمة واستفادتها من الفهم والعلم قائلاً:إننا سنحيل في هذه العجالة إلى بعض الإشارات القرآنية التي تحتاج إلى مزيد البحث والنظر، ولعلها تحفز طلبتنا للنهوض بمتطلباتها في إطار أعمالهم العلمية التي يزمعون القيام بها:

﴿ ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد .... ﴾[3].

﴿ ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً وسخرنا مع داود الجبال... ﴾[4].

﴿ وعلم آدم الأسماء كلها.. ﴾[5].

﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة...[6].

إن الإنسان منذ أنزله الله تعالى إلى هذه الأرض لعمارتها، والسعي فيها إصلاحاً لا إفساداً، وهو يتعلم ويتدرب، ويكتسب خبرات ومهارات، ومعارف وعلوم، يتوارثها ويؤسس عليها إضافات جديدة ينقلها إلى الأجيال اللاحقة، وبذلك تطورت مسيرة العلوم والتقانة، وقد مكنته اللغة من ذلك، فلولاها ما أمكنه تناقل التجارب والخبرات والعلوم، ولكان لكل واحد منهم تجربته وخبرته تبدأ معه وتموت بموته، ومن هنا نفهم كيف جعل الله تعالى تعليم آدم - عليه السلام - الأسماء سبباً من أسباب التكريم يضيف إلى اللغة طرقا أخرى وظفها الإنسان في التعلم والتدريب ونقل التجارب والخبرات، متمثلة في المحاكاة، والملاحظة، والتجريب، وتكرار التجارب عن طريق التدريب، والتلقي، والعرض، كلها وسائل تربوية ابتكرها الإنسان منذ أنزله الله تعالى الأرض، وأناط به عمارتها، وأعطاه العقل، والحرية، والإرادة، والزمان، ليتعلم وينتج العلم والمعرفة والتقانة، ويتمكن من الحرف والمهن التي لا تقوم الحياة بدونها، فأبدع وأنتج، وبنى وعمر.

ثم يختم هذا التنظير بقوله: إن ما ذكرناه يتعلق بالإطار النظري العام، الذي يحتاج إلى تعميق البحث فيه نظريا وتطبيقيا، لاكتشاف حقائق تتعلق بالمسيرة العلمية للإنسان باعتبارها صيرورة بشرية، ساهمت فيها كل شعوب الأرض من لدن آدم - عليه السلام - إلى يومنا هذا، ولا عبرة بآراء تنزع نزعة عنصرية، أو سياسية، تنزع إلى الهيمنة والسيطرة.

ويمكننا في هذه العجالة أن نشير إلى تجربة تربوية رائدة قام بها كونتليان الروماني ولد سنة 35 قبل الميلاد، الذي ابتكر الوسائل التعليمية، حيث كان يصنع نماذج للحروف والأرقام من العظام يلعب بها الأطفال، ويستعينون بها على تعرف أشكالها، كما أسس مدرسة لتعليم الخطابة، اعتمد أسلوباً تعليمياً يزاوج بين التنظير والتدريب، ويعتمد الخطوات التالية:

التفكير: أن تجد ما تقوله " إبداع الأفكار ".

التنظيم: معرفة تنظيم ما تريد قوله " المنهج ".

الأسلوب: اختيار أسلوب لما تريد قوله " التعبير السليم عن الأفكار".

الذاكرة: حفظ ما يتعين قوله " التوثيق ".

الإلقاء: المزاوجة بين القول والحركة " الإنجاز ".

كما نجد اليونانيين قد ابتكروا ما يمكن الاصطلاح عليه بمقدمات العلوم Propédeutique، وهو التعليم الذي يسهل تعلم أشياء أخرى في المستقبل، فهو نوع من التعليم التأهيلي لدراسة علم ما، أو مجموع المعارف التي تكون قاعدة لتعلم علم ما. ولا يخفى ما لمقدمات العلوم من دور كبير في التأهيل العلمي بالنسبة لطلبة العلم، ومن ثم احتلت دوراً بارزاً في التأليف لدى المسلمين.

مهارات تراثنا الإسلامي:

وتدرجنا بعد ذلك في ذكر المهارات الموجودة في تاريخنا العربي والإسلامي، وكيف برع المؤلفون في تأليف كتبهم ووضعها بهذه الطرائق البارعة، منذ عصر تدوين السنة مروراً بأئمة الفقه والتفسير، وزمن شيخ الإسلام وطلابه ابن القيم والذهبي وابن عبد الهادي وابن رجب حتى القرون المتأخرة؟

أجاب د/ آل سيف حفظه الله: هذه المهارات كان لها مظاهر: منها ابتكار علوم جديدة لم تعرف من قبل وتأصيلها، وابتكار مخترعات جديدة في عصرهم ترتب عليها صناعات مذهلة في زمانهم، كما نمت ملكة النقد العلمي الهادف المبني على الدليل، وظهر ذلك في نقض المنطق اليوناني ونقد العقائد الباطلة والتيارات المنحرفة، وظهور مهارات المناظرة والحوار العلمي، والتفنن في التأليف بطرق غير مسبوقة مثل كتاب العين للخليل وغيره ومثل ابتكار علم العروض وتدوين أصول الفقه والنحو وعلم الصرف وغيرها.

وجاءت إجابة د/ الضاوي أيضاً متممة ومهمة في هذا المجال وتأصيلية بمعنى الكلمة، حيث واصل إفاضته البديعة فقال: ابتكرت الحضارة العربية الإسلامية نماذج تعليمية، وطرقاً تربوية مهمة من حيث التكوين، والتأطير، وإعادة التكوين والتدريب، بل نجد عندهم ما يمكن تسميته بالتكوين المستمر، والتعلم الذاتي، ولعل مراجعتنا لفهارس العلماء وبرامجهم تجعلنا نقف على حقائق مذهلة، يمكنها أن ترشد أساليبنا التربوية، وأن ترفع من مستوى تعليمنا.

إن العلم عند المسلمين أخذ مسارين [متوازيين يكمل كل منهما الآخر]:

أ- التوثيق: نقد السند والمتن " التحقيق ".

ب- والفهم: إعمال الفكر والنظر في النصوص قصد استنباط الحكم والحكمة.

ويتم أخذ العلم بطريقين:

1- السماع.

2- العرض.

ومن ثم فهو عملية تعلم مقصود ومنظم وليس تلقائياً، وفي ذلك تسريع لعملية تناقل المعارف والمعلومات وتنميتها.

ولعل رجوعنا إلى حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) : (نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) تبين كيف استفاد المسلمون من حديث رسول الله مقومات العلم:

أ‌- معرفة مصادر المعلومات.

ب‌- حفظ المعلومات.

ت‌- فهم المعلومات.

ث‌- سرعة تداول المعلومات.

ج‌- إنتاج المعلومات.

ومن ثم كان ذلكم الحرص على توثيق المعلومات توثيقاً علمياً دقيقاً فأنتجوا علم مصطلح الحديث، وعلى فهم المعلومات فأنتجوا أصول الفقه وعلم التفسير وفقه الحديث، وعلى معرفة المصادر فأفردوا كل باب من أبواب العلم بكتب خاصة، يتم الرجوع إليها حيث المعلومة الموثقة، والفهم السليم، والتصنيف البديع، وبذلك أصلوا قاعدة مهمة من قواعد البحث العلمي ألا وهي أصالة المصادر والمراجع، حيث تؤخذ المعلومات من أصولها. كما ابتكروا المعاجم اللغوية والاصطلاحية، ومعاجم البلدان، وكتب الأعلام والرجال، كما عملوا على نشر العلم بالكتابة والتدريس، والرحلة، فمكنهم حرصهم على سرعة تداول المعلومات من الإبداع والابتكار.

وتعلم المسلمون من القرآن الكريم أن العلم هو المبني على البرهان: ﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾[7]، كما أخذوا بالدليلين القرآنيين: دليل الأنفس (البحث في الإنسان) فأنتجوا العلوم الإنسانية، و(البحث في الطبيعة) فأنتجوا العلوم الطبيعية، وذلك حتى يكون إيمانهم مؤسساً على العلم والمعرفة، كما في الأثر: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله)[8]، حيث أرشدهم إلى إعمال عقولهم في الإنسان والطبيعة لأنهما نسبيان وهم مؤهلون للبحث فيها، أما البحث في الغيب فهو يتجاوز إمكانياتهم، والبحث فيه منتهى ما ينتهي إليه هو الحيرة والشك، وبهذا التوجيه النبوي الرشيد استفاد المسلمون مرتين وذلك من باب اقتصاد المجهود، وهو من حسن التدبير، حيث أقاموا إيمانهم على البرهان العلمي، وفي الوقت نفسه تمكنوا من اكتشاف سنن الله في الخلق، فامتلكوا القوة المذخورة في الطبيعة، مما مكنهم من عمارة الأرض والسعي فيها إصلاحاً لا إفساداً وذلك أحد أسباب خيريتهم.

وذكر حفظه الله تعدد الأساليب والمهارات قائلاً: كما تعلم المسلمون من رسول الله آداب التعلم، وطرق التعليم الناجحة، كاستخدام الأسلوب العملي في التعليم، وهو نوع من التدريب (حديث المسيء في صلاته)، والتعليم بالمحاكاة (صلوا كما رأيتموني أصلي)، و(خذوا عني مناسككم)، واستنصات المتعلم والحث على الاستماع، واستخدام طريقة التعليم القصصي، وضرب الأمثال، والحوار والإقناع (طالب الزنا)، واستخدام أسلوب التقسيم في التعليم (حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله) واستعمال وسائل الإيضاح: الرسوم التوضيحية (حديث الأجل)، ومراعاة الفروق الفردية ومن ثم النهي عن مخاطبة الناس بما يتجاوز قدراتهم العقلية وهو في اعتقادي نوع من تفريد التعليم.

قبل سلوك الطريق:

ومع أننا نتحدث في تحقيقنا هذا حول محور مهم نرتكز عليه ألا وهو البناء العلمي من نواح تعليمية وتثقيفية وضبط للمتون والمسائل، لكننا لم نغفل جانباً ومنحى آخر قبل أن نتعمق في محورنا، ألا وهو البناء النفسي من ناحية الظروف الخاصة، والرغبة والهمة والإقبال أو ما يسمى بالاستعداد الفطري فطرحنا سؤالاً مفاده ما هو هذا الاستعداد الفطري، وكيف يعرف الطالب أنه امتلكه؟

ابتدأ الإجابة على هذا السؤال فضيلة الشيخ د/ عبد الله وكيل الشيخ وهو عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام/ قسم السنة وعلومها - وهو علم من العلماء المبرزين في عصرنا - فقال: كل مهنة في الحياة تحتاج إلى استعداد مسبق لدى من سيقبل على هذه المهنة، والعلم من أشرف المهن، لكنه كغيره من المهن يحتاج إلى جملة من الفضائل النفسية من أهمها الجد والمثابرة؛ والتفرغ لطلب العلم وبذل الوقت في خدمته، فلن يدرك العلم من كان قلبه مشغولاً في نواح متعددة وخاصة إن كانت مما هو ضد العلم. حتى الكسب الذي لا بد منه لمعيشة الإنسان ينبغي أن يكون طالب العلم فيه مقتصداً أو يعهد لغيره بأن ينشغل به حتى لا يقضي على كثير من وقته.

وفي إجابة فضيلة الشيخ مختار المهدي رئيس الجمعية العمومية للعاملين بالكتاب والسنة وضعٌ لليد على الجرح؛ إذ جاء بلفتات أبوية طيبة نذكرها مختصرة قال: الحقيقة التي يؤكدها الواقع ويؤيدها المنهج العلمي الذي اتبع على مدى عصور الإسلام أن البناء النفسي للطالب يسبق البناء العلمي وفى سبيل ذلك رأينا أوقاف المسلمين على طلاب العلم الشرعي التي وفرت لهم الجو النفسي من حيث ضمان إقامتهم ومعيشتهم وكتبهم ومدرسيهم بحيث لا تؤثر عليهم ظروفهم الخاصة، ولا ننسى ما كان يتبع في الأزهر من "الأروقة" التي كانت بديلاً عن المدن الجامعية ومن "الجراية" التي كانت تمثل التغذية، ومن إقامة الطلاب مع أساتذتهم لمراجعة ما يذاكرونه في أوقات فراغهم، ثم من اختيار الطالب لأستاذه بعد أن يسمع أكثر من أستاذ في المادة الواحدة، هذا النظام الذي أخذته أمريكا أخيراً وسمى بنظام الساعات، ثم الإصرار على أن تكون الدراسة في المسجد لإضفاء الروحانية على الطلاب الأمر الذي طبقه الغرب في إنشاء الجامعات في الكنائس.

ويضاف إلى ذلك احتكاك الأستاذ بالطالب علميا لمعرفة مدى استيعابه وشهادته له حين يتأكد من تحصيله العلمي، ولقد كان الطالب يعرف أنه امتلك الاستعداد الفطري والنفسي للسير في مجال العلم من مناقشته لأستاذه وثناء أستاذه عليه، ولقد كان أساتذتنا يقولون: إننا لا نعرف من الطلاب إلا فئتين: من يسأل سؤالاً تافها ومن يسأل سؤالا عميقا فالأسئلة تدل على صاحبها[9].

وهناك لفتات أخرى تفيد الشباب جداً إيمانياً ونفسياً تطرق لها الشيخ فهد العيبان فقال:

كثير من طلاب العلم يظن أن المنهجية العلمية التي سار عليها أهل العلم إنما هي مجرد برنامج علمي مشتمل على الحفظ والقراءة على الشيوخ، وهذا في ظني قصور في فهم المنهجية العلمية التي سار عليها أولئك الأفذاذ؛ فالمنهجية المتكاملة التي توصل بإذن الله إلى المقصود، هي المشتملة على الجانب العملي مع الجانب المعنوي، ومن تأمل سير السلف من علماء الأمة يلحظ هذا التكامل في حياتهم العلمية واضحاً جلياً، فليس طلب العلم عندهم مقتصراً على ماذا يقرأ، أو ماذا يحفظ، أو كيف يفهم، إنما هو منهج متكامل مشتمل على العلم والعمل، وهذا من أعظم أسباب تفوقهم وسعة فهمهم وحفظهم بعد توفيق الله تعالى، والجانب المعنوي نعني به: ما يعين على الجانب العملي وإتقانه، كالعمل بالعلم، وتحسين العلاقة مع الله بالتعبد والورع، والعناية بالشأن التربوي والسلوكي، المحفز على الاستمرار في التحصيل، والتأصيل العلمي، وفي ظني أن من أهم أسباب الفتور والإخفاق العلمي الذي نشاهده اليوم من بعض طلاب العلم، هو عدم تكامل هذين الجانبين في حياة الطالب العلمية، وبالأخص الجانب المعنوي والذي نجد فيه قصوراً ظاهراً من قِبَل كثيرٍ من طلاب العلم.

فطالب العلم قد يحصّل طرق التعلم العملية، ويُرسم له برنامجٌ علمي رصين متين وتجلب له أنواع الوسائل التعليمية، ومع هذا قد لا يوفق في تحصيل العلم والسير في طريقه، إذ بدون التألُّه والورع والخشية والسلوك الصحيح لن يؤتى الطالب زكاءً وقد لا يصل إلى مطلوبه.

تجاربهم وذكرياتهم[10]:

ومما يدخل تحت هذه النقطة ويزيدها إيضاحاً ويضفي عليها شيئاً من اللمسات التي يحتاجها طلبة العلم ويفيدون منها سألنا المشايخ عن أبرز النقاط التي شكلت منعطفاً في بنائهم العلمي أيام الشباب، وما أبرز التجارب التي أفادتهم في مسيرتهم، نذكرها إجمالاً:

فبدأنا بإجابة ضافية للشيخ/ مختار المهدي: أبرز هذه النقاط رغبة الوالد رحمة الله عليه في أن أكون أهلاً لدعوة الناس حتى يصل إليه من هذه الدعوة أجر وثواب، فوجهني إلى الأزهر وأخرجني من كلية دار العلوم.

ومن هذه النقاط أنني كنت شغوفاً بالاطلاع والمناقشة فيما أقرؤه مع أساتذتي الذين كان من حيث كنت إذا سألت عن معلومة في الفقه أو التفسير يمتنع عن الإجابة ويطلب منى البحث في المراجع العلمية بدار الكتب والعودة إليه بما حصلته.

ومنها: الإجازات الصيفية التي نحصل عليها كل عام فرصة للقراءة والاطلاع خاصة كتب الأدب الإسلامي مثل كتب المنفلوطي والرافعي والشيخ الغزالي وأحمد أمين والعقاد والبهى الخولى وغيرهم، وكتب الفقه الإسلامي في المذهب الشافعي.كل هذه التجارب التي مرت بي أراها قد أفادتني في مسيرتي العلمية.

وبعده قصص لطيفة للدكتور/ الضاوي من المغرب حيث قال: إذا سمحتم أحب أن أرجع إلى الوراء أكثر، إلى مرحلة الطفولة حيث كانت العادة في أواسط القرن الماضي إدخال الأطفال قبل سن التمدرس إلى الكتاب، ومنهم من يظل يزاوج بين الكتاب والمدرسة النظامية، إلا أنني أذكر كيف أن غلظة وقسوة المدرس مربي الأطفال ومعلمهم القرآن أخرجتني من الكتاب ليأخذني أهلي إلى المدارس التي بدأت تنشأ كبديل عن الكتاب في المدن.

وأذكر كيف أن شاباً مغربياً من المغاربة الأوائل الذين التحقوا بالتدريس، الذي كان حكرا على الأجانب، وطني غيور، كيف أن هذا الرجل حبب إلينا القراءة والمطالعة، حيث أنشأ لنا مكتبة تعاونية، يقوم كل واحد منا بشراء كتاب وقراءته، واختيار الأساليب التي أعجبته وتدوينها في كراسة خاصة، ثم يتبادل الطلاب الكتب في ما بينهم كل أسبوع، بعد أن يمر الأستاذ بين الصفوف ويطلع على اختياراتنا، وينتقي منها ما يقوم الطلبة بإلقائه على زملائهم. فتعلمت من هذه التجربة أهمية التعاون، وأهمية جمع المعلومات وتوثيقها، وأهمية التدريب، والتعلم الذاتي. وأذكر كيف أن صاحب المكتبة التي زرتها عندما رآني أخرج بدون الكتاب الذي اخترته " رسالة إلى ولدي لأحمد أمين "، فناداني مستطلعا الأمر، حيث أخبرته أن المبلغ الذي معي لا يفي بثمن الكتاب، ليعطيني الكتاب بما معي وترك لي فضلة من المال أتدبر بها أمري، فشدني بذلك إلى عالم جديد، عالم الكتاب، بثقافة وقيم جديدة تسمو على الماديات، وتعمل على نشر العلم وتيسير الوصول إليه.

أما الدكتور عبد الله آل سيف فذكر نقاطاً وتجارب جميلة: في فترة الطلب دربت نفسي على عدد من المهارات من باب تنمية المهارة فمثلاً: نظمت القواعد المثلى لابن عثيمين في 120 بيتاً، وجمعت عبارات الجرح والتعديل المنثورة في كتب الجرح والتعديل ورتبتها على حروف المعجم حتى جاوزت عشرة حروف ومئات العبارات المختلفة ونقلت كلام أهل العلم فيها ومرتبتها مع أمثلة لها من كتب الجرح وكنت حينها في المرحلة الثانوية، كما دربت نفسي على كتابة المقالات فنشرت في عدد من الصحف والمجلات، كما شرعت في ترتيب مسند أحمد على الأبواب الفقهية وكنت حينها في الثالثة المتوسطة، وكنت في الثانوي أتدرب على التخريج ومعرفة صحة الأحاديث، وفي الفقه كنت أستخرج الكليات الفقهية من كتب الفقه بالمناقيش وأستخرج الضوابط الفقهية والألغاز الفقهية وتخريج الفروع على الأصول وتطبيقات القواعد الفقهية في الباب وكان لها أبلغ الأثر في البناء العلمي.

بين الجامعات والمساجد:

ومن تجاربهم التي لا تغفل أيضاً التدريس في الجامعة وفي المساجد وهما محوران مهمان في البناء والترسيخ العلمي، فكيف يرون هذه التجربة، وما الذي تنصحون به طلاب الجامعات الشرعية، لاسيما من كان في السنة الأولى من دراسته؟

أجاب هنا فضيلة د/ عبد الله وكيل الشيخ فقال: يتميز التدريس في الجامعات ودور العلم الرسمية كالمعاهد بأنه بناء علمي تراكمي، يتعاون في غرسه مجموعة من الأساتذة متنوعي التخصصات، وفي التخصص الواحد هم متنوعو الطرائق متعددو المواهب. ولذا فإن من أعظم ما ينصح به طلاب الجامعات الشرعية أن يقبلوا على مناهجهم الدراسية بجد ومثابرة أولاً: بالاستعداد للمحاضرات بالقراءة السابقة وثانياً: بالمشاركة الفاعلة أثناء المحاضرات بالمناقشة والمدارسة والاستفادة من توجيهات الأساتذة. وثالثاً: بمراجعة ما درسه الطالب أولاً بأول. مع توسيع دائرة الاطلاع على كتب مماثلة أو شروح أخرى للكتاب المدروس وتعليق الفوائد.

وهناك أمر يغفل عنه كثير من طلاب الجامعات الشرعية وهو أن الأساتذة قد لا يستوعبون المناهج الدراسية بالشرح فيبقى جزء ليس باليسير لم يشرح، وكثيراً ما يحذف من الامتحانات وحينئذ لا يطالعه الطالب فيتخرج وقد فاته قدر كبير لم يمر عليه أبداً، والأنفع للطالب أن يستوعب المنهج كاملاً ما شرح وما لم يشرح، وأحبذ أن تكون للطالب عادة راتبة وهي أن يكون من ضمن برنامجه في الصيف البحث عمن يشرح له تلك الأجزاء التي لم تشرح في قاعات الدراسة.

وأما التدريس في المساجد فمن أهم ميزاته أنه لا يرتاده إلا من كان جاداً في طلب العلم ولذا يكون في مرتادي هذه الدروس من النباهة والحرص والمثابرة ما ليس في طلبة الجامعات، كما أنها تفتح مغاليق الفكر، وتعين على تصور المسألة، ولكن من أعظم ما يؤخذ على هذه الدروس أنها متباعدة كدرس واحد في الأسبوع غالباً، وهذا القدر من الزمن لا يتيح التقدم في دراسة العلوم حيث يحتاج بعض الكتب المطولة لإنهائه إلى ما يصل إلى عشر سنوات أو تزيد.

وجاءت إجابة الشيخ مختار موقظة وموعية لأمر مهم فقال: كان للتدريس في المساجد اثر واضح في كيفية الوصول إلى عقول المستمعين على اختلاف ثقافاتهم ووعيهم إذ كانت مراعاة هذه الاختلافات تجبر الداعية على تبسيط المسائل والبعد عن المصطلحات الأكاديمية المعقدة، لتغيير أنماط حياته إلى ما يريده الله ورسوله.. وقد أثر هذا المنهج في طريقة التدريس بالجامعة حيث كنت أستوعب ما قاله الأولون من كل التيارات العلمية وأصبّ ذلك في أسلوب ميسر يستطيعون هضمه بسرعة ثم أدلف إلى أسلوب الأقدمين أشرحه وأحلله حتى يأنس الطالب تعبيرات الأولين من حيث انه سيحتاج إليها كمراجع في أي بحث علمي يتناوله في المستقبل.

وكان للشيخ فهد العيبان نصيحة طيبة على قصرها لا بد من ذكرها وهي أنه قال: أنصح من كان في السنة الأولى أن يعقد العزم على إتقان العلوم التي يتعلمها في الجامعة وأن يتفوق ويواصل دراسته ولا يستمع لمن يقول له إن العلم في المساجد فقط، فالعلم في المساجد والجامعات أيضا.

ولا زلنا أيضاً في منحى التجارب حيث أدخلنا نقطة تدخل في ذلك وهي أن مناهج الأساتذة الجامعيين تختلف من دكتور لآخر، فكيف يعالج الطالب ذلك إن كان يشكل مشكلة له في طريق بنائه، وما دور الدكتور في بنائه لطلابه؟

وقد تركنا الإجابة لـ د/ عبد الله وكيل، - وهو طبعاً يخوض هذا المعترك حتى الآن وله فيه باع وقدم سبق وصدق - فقال: تعدد مناهج الأساتذة لا يعد مشكلة بل هو إثراء لمعارف الطالب وتنمية لمهاراته المتعددة، فيتعلم من أستاذ مهارة التحليل، ومن آخر مهارة الجدل، ومن ثالث مهارة الاستقراء التاريخي أو الاستقراء لورود الأدلة، ومن رابع مهارة الربط بين المعلومة والواقع المعاش، ومن أجل هذا التعدد المثري كان علماؤنا الأقدمون يدفعون الطلاب إلى الرحلة في طلب العلم لأجل أن يكتسب هذه المهارات كما قيل للإمام أحمد: الرجل يحدث الحديث في بلده. أيرحل؟ أم يبقى في بلده؟ قال: بل يرحل يشامّ الرجال.وفي هذا إشارة إلى فوائد الرحلة التي تكسب هذا التعدد الذي يحتاجه طالب العلم.

وأما دور الأستاذ في بناء طالبه فبالاتجاه إلى إكسابه مهارة التعلم وتعويده التفكير الصحيح الناقد ومحض المعلومة والفيئة إلى الصواب متى ما أدركه لا يمنعه من ذلك ما كان يعتقده صحيحاً.

كما أن من أهم ما يجب أن يهتم به الأستاذ غرس حب الاطلاع والبحث والتشجيع من يفعل ذلك من الطلاب بالثناء عليه وإعطائه فرصته في الدرس يتلو إفاداته على مسمع من زملائه. وعليه أن يشجع البحث بين الطلاب أنفسهم بأن يتولى بعضهم مناقشة البعض الآخر، وهو يرعى هذا النقاش مسدداً موجهاً ومعرفاً بآداب البحث وبتثبيت الفضائل النفسية عند المتجاولين.

وذكر د/ آل سيف: يحاول الطالب التكيف مع كل وضع جديد، وهذه إيجابية إذا ما استغلها وأحسن الاستفادة منها؛ فاختلاف المناهج والطرائق في التدريس تنمي عنده خبرة في مجال التعليم فيما بعد وتجعله يختار منها الأفضل لطلابه، كما أن الطلاب لهم دور كبير في تنشيط الدكتور وتفعليه بصورة كبيرة من خلال التفاعل معه والاقتراح عليه ورفع معنوياته بالاستجابة السريعة وحسن الخلق والتعامل، ومما يذكر في هذا أن بعض التابعين حُرم من علم ابن عباس بسبب نزقه وسوء أدبه، كما أن للدكتور دوراً مهماً في بناء الطلاب وعليه أن يضع خطة لتطوير ملكاتهم ومهاراتهم في الفن من خلال تنويع الوسائل واستخدام أفضل الطرق والأساليب في إيصال المعلومة.

العلم والأقطار:

وخروجاً من هذا المنحى تطرقنا إلى الأقطار والأمصار وقلنا للمشايخ: نلاحظ في بعض الدول وجود البناء العلمي منذ الصغر كموريتانيا مثلاً، ومعلوم أن لذلك أثراً واضحاً على المتعلم، أفضل مما لو بدأ متأخراً وكبيراً. قال الدكتور عبد الله آل سيف: المفترض أن يكون هناك محاضن علمية متخصصة كما في موريتانيا حيث توجد ما يسمى بالمحاضن العلمية والتي تدرس الطلاب العلوم الشرعية المتنوعة وتجعلهم يحفظون المتون وتدرسها لهم وتخرج علماء متمكنين بمعنى الكلمة في كثير من الفنون وهذا ما نفتقده هنا كثيرا وفي كثير من الدول، وكانت توجد عندنا في الكتاتيب دروس المساجد بصورة مكثفة، ولكن الدراسة النظامية وعدم الاهتمام أضعف من دورها، وتحتاج إلى الاستفادة من كل مشاريع تكوين العلماء ومشاريع صناعة العلماء في أنحاء العالم الإسلامي.

أحسب أننا كنا مع هذه الإجابات في رحلة ماتعة مشوقة جداً للدخول في صلب موضوعنا وهو محور خطة البناء العلمي للطالب، وقد ذكر لنا الضيوف إجابات طيبة وإضاءات وهاجة للطلبة وابتدأنا بهذه النقطة: يقال إن من المنهجية عدم الإغراق في طلب المنهجية حيث تتنوع الآراء حول المنهجيات في البناء؛ فقد ذكر أحد المشايخ الشناقطة أن هناك 45 فناً لا بد من حفظها وإتقانها للطالب حتى يؤهل لطلب العلم والتدريس، وهناك من المشايخ من حدد متون التأصيل 12 متناً ولن يكون الطالب طالب علم حتى يتقنها. ما تقولون حيال ذلك؟

قال د/ آل سيف: الشناقطة يبالغون في دراسة العلوم، بحيث يضيفون بعض العلوم التي قد لا يحتاجها طالب العلم مثل علم الأنساب فيحفظون ألفية البدوي وغيرها، وهذه علوم يحتاجها المتخصص الدقيق والراغب في معرفة علم الأنساب، ولكن الصحيح أن العلم في عشرة إلى 12 علماً هي العلوم المهمة والأصيلة التي يحتاجها طالب علم وهي مبسوطة في موضعها.

وبناء عليه أيضاً سألنا الضيوف ما الموقف حيال الكتب الكثيرة التي تعتني بالبناء العلمي للطالب، وإيضاح الصورة له في طريق طلب العلم؟

وفي لفتة مهمة أجاب د/ عبد الله وكيل: ينبغي أن يعلم أن هذه الكتب رصد لتجارب فردية وأخرى جماعية، كما أنها قد تكون رصداً لتجربة طويلة المدى أو قصيرة المدى ولذا فلا بد لطالب العلم بعد قراءته لتلك الكتب من الاستشارة لمن هم أقرب إليه وأعرف بمواهبه.كما أنه لا مانع من التجريب لأكثر من منهج من تلك المناهج حتى يصل الطالب إلى المنهج الذي يشعر بأنه يوصله إلى مبتغاه.

ووافقه د/ آل سيف قائلاً: يحرص الطالب على الكتب التي خرجت من تجربة حقيقية ناجحة وعرف صاحبها بالتمكن العلمي، فالكتب كثيرة في هذا المجال لكنها بعض تنظير بعيد عن الواقع، وليس لصاحبها تجربة تستحق الذكر.

لو أراد الشباب الذين يتابعون حوارنا أن ينطلقوا عملياً في بناء أنفسهم، فما قواعد الانطلاق التي تنصحونهم بها، وهل هناك فترة معينة يمكن أن نقول إنها فترة كافية للبناء العلمي للطالب لو بذل جهده فيها؟

أجاب د/ وكيل قائلاً: من أهم الفضائل اللازمة لطالب العلم تصحيح القصد في طلب العلم بأن يريد نفع نفسه ونفع الآخرين بإزالة صفة الجهل عنهم فهذه هي النية الخالصة التي يظهر أثرها في طلب العلم وتفهمه والعمل به وبذله للناس، وما تلبس أحد بنية دنيوية خالصة في طلب العلم إلا حرم من هذه الثمرات بقدر ما نقص من علمه. وطالب العلم لا يتوقف عن التحصيل حتى يموت، والتوقف عن التحصيل مزلة وحرمان.

وجاءت إجابة الشيخ فهد العيبان كلمسة حانية وخطة متقنة وأرضية صلبة وزبدة التحقيق أعطاها لإخوانه طلبة العلم وهو القريب من الشباب في الدروس التأصيلية فأترك له المجال معكم فقال: هذا سؤال يتكرر كثيراً، ولعلي أذكر هنا أهم الضوابط من خلال عرض بعض الأمثلة التطبيقية:

1- البدء بالمتون المختصرة في كل فن مثل: الأصول الثلاثة، كتاب التوحيد، الواسطية، الآجرومية، الورقات، نخبة الفكر، [الأربعين النووية]، منهج السالكين أو عمدة الفقه، وبعض المقدمات الأولية في التفسير والقواعد الفقهية والتجويد والأدب.[11] وذلك بحفظها - إن أمكن - مع قراءتها وفهمها على الشيخ، أو السماع من شريط إن لم تتيسر القراءة على الشيخ.

2- العناية بالضبط والإتقان لهذه المتون حفظاً وشرحاً، ولا ينتقل منها إلى غيرها إلا بعد الاطمئنان إلى ضبطها[12].

3- يخصص لكل متن من هذه المتون شرحاً من الشروح المطبوعة ويكون التعليق عليه والقراءة منه، ولا يكثر على نفسه الشروح لأنها متشابهة في الجملة (يمكن الجمع بين شرحين بتعليق أحدهما على الآخر).

4- لابد أن يعتني الطالب بأصوله التي يقرأ منها ويعلق عليها، بحيث تكون مرجعاً له عند المذاكرة.

5- الحذر من الاستعجال في أخذ هذه المتون، فلا بد من التأني والترسل مع الفهم والتصور الصحيح للمسائل، ويحذر كذلك من الإطالة والتشعب في بداية الطلب.

6- بعد الانتهاء من المختصرات، ينتقل إلى المتون المطولة مثل: بلوغ المرام، زاد المستقنع، ألفية ابن مالك في النحو وغيرها، مع العناية بحفظها - إن أمكن - وضبط شرحها.

7- ينبغي في هذه المرحلة الاطلاع على بعض الشروح المطولة، كالمغني والمجموع وفتح الباري ونيل الأوطار ونحو ذلك، مع العناية بشيء من البحث لبعض المسائل.

8- بعد الانتهاء من المطولات - حفظا وفهما - يكون الطالب قد حصّل الآلة التي تمكنه من الانتقال إلى الشروح والمطولات من كتب العلم بحسب كل فن، وذلك بجردها وانتقاء الفوائد منها وبحث المسائل والتوسع في الطلب.

9- الحرص على الضبط في تحصيل العلم: فالضبط يختصر الوقت، لأن الطالب إذا ضبط لن يحتاج إلى كثير وقت في التأهل، وكثير من طلبة العلم المبتدئين يفتقدون الضبط للعلم حفظاً وفهماً، ولذا تجدهم لا يتجاوزون أماكنهم، بينما أقرانهم ممن حرصوا على الضبط فاقوهم بمراحل في أقصر وقت، وأكاد أجزم أن التأهل العلمي وضبط أصول العلم لا يحتاج إلى أكثر من خمس سنين مع الضبط والإتقان[13].

ومن وسائل الضبط والإتقان للعلم:

أ- التكرار قال الإمام البخاري:(لم أر أنفع في العلم من نهمة الرجل ومداومة النظر).

ب- مدارسة العلم ومذاكرته وبالأخص في المناسبات.

ج- اتخاذ الصاحب النبيه للمدارسة.

وهنا يؤكد الشيخ على الجانب المعنوي الذي ذكره سابقاً فقال: والعلم ليس صعباً بل هو سهل المنال وممتع، متى ما صبرت وسلكت مسالكه، ولذا لا يستصعبه إلا من جهل طرقه ومنهجيته، وقل صبره، فحينها يستصعب الطريق ويستطيله، وحتى لا تصاب باليأس، من المهم أن تعلم أن أصول العلم التي لابد من ضبطها حيث تكون أساساً لفقه الشريعة وأساساً لما بعدها، وبها يحصل التأصيل العلمي إنما هي (قليلة، مختصرة، محصورة)، أما التفريعات والفوائد والتعليقات والحواشي على أصول العلم، فهي بحرٌ لا ساحل له.

10- حب القراءة طريق التعلم: الذي لا يحب القراءة لا يمكن أن يتعلم، ولذا يجب تعويد النفس على القراءة، ويكون ذلك بإطلاق العنان لها بأن تقرأ في كل شيء نافع حتى تتعود وتصبح القراءة ألذ شيء إلى نفسك [14].

11- التوازن والتكامل في تحصيل العلم: من ضوابط المنهجية في تحصيل العلم التوازن في أخذ العلوم بحيث يحصّل الأصول من كل فن، وأما التخصص لمن رغب فيه، فيأتي بعد التأصيل والشمولية في التحصيل، ويقبح بطالب العلم أن يكون فقيهاً لا يحسن تخريج حديث، أو محدثاً لا يحسن أصول الفقه أو طالب علم يلحن في قراءته.

وهنا أمر مهم سألنا عنه وهو مما يعايشه طلبة العلم وهو: طريقة الأوائل من حضور حلق الدرس وثني الركب ألا ترون أنها زوحمت الآن مع الشبكة والأشرطة، فهل نجمع بينهما أم يمكن الاقتصار على أحدهما دون الأخرى.

قال د/ عبد الله وكيل: حضور الدروس وثني الركب عند أهل العلم هي الطريقة المثلى لتحصيل العلم، لأنه الأساس في العلم صحة التصور للمعلومة، وهذا لا يتأتى بالقراءة المجردة، ولا بالسماع المجرد من خلال الأشرطة وغيرها، لأن حاضر الدرس قد يستشكل المعلومة ويستعيد من الأستاذ شرحها، وقد يعبر عن فهمه لها فيصحح الأستاذ له تصوره حينئذ، وكل هذه الأعمال إنما تحصل في الحضور الفعلي للدرس، لكن الوسائط الأخرى مثرية لما تعلمه الطالب أولاً لأن ما يقرؤه الطالب لا يتعدى في تقديري نسبة 20% من العلم الذي يحصله طالب العلم ويسمعه في الدروس، ودروس العلم المباشرة إنما تفتح مغاليق الفكر وتوجد مهارات التحصيل وتستثير همم الطالب، ولذا تجد العالم الكبير الذي أغنى المكتبة بمؤلفات إذا ترجم له وعدت الكتب التي حصلها في العلم وجدتها قليلة، ولكنها تحتوي أصول العلم ومفاتيحه.

• •

وبنهاية هذا الجزء نحسب أننا أنهينا البناء المأمول الذي نطمح إليه في تكوين طالب العلم، ولكن اللمسات الباقية للبيت لا بد منها ولا يمكن أن يسكن فيه إلا بعد هذه المهارات في الجزء الثاني:

مهارات متفرقة في طريق البناء:

1- تأصيل المهارات:

هناك مهارات متعددة في طريق طالب العلم، هل ينبغي أن يحيط طالب العلم بها، أم يقتصر على أحدها ويتخصص فيها، كمهارة تخريج الأحاديث، ومهارة البحث العلمي، ومهارة التلخيص والتقعيد وغيرها من الملكات، كما أن هناك دراسات للنوازل الاقتصادية والسياسية والطبية فما توجيهكم في ذلك مع انشغال طالب العلم بالقراءة والحفظ كأساس في التحصيل؟

أجاب باري القوس د/ عبد الله وكيل فقال:

يمكن أن نقسم المهارات إلى قسمين:

أ- مهارات لا بد منها لطالب العلم: وهي مهارات التفكير التي تضبط الاستدلال وتصحح النظر، وتورث القدرة على النقاش وتصحح التطبيق من الأدلة على الوقائع وتورث الاطراد الإيجابي؛ بحيث لا يثبت الطالب شيئاً وينفيه في موضع آخر، وهو الذي يسميه ابن دقيق العيد بالتثعلب، تشبيهاً بحركة الثعلب، بل يجري طالب العلم في استدلاله ونظره على جادة ثابتة، وإذا كان هناك استثناءات، فليكن لتلك الاستثناءات ضوابط واضحة، وقد وجدنا أهل العلم حينما يقررون القواعد الفقهية يتبعونها بالاستثناءات وتضبط تلك الاستثناءات بالعد حيناً وبالوصف حيناً آخر، والإنصاف والعدل والنظر إلى الأمور بروية من لوازم طالب العلم الذي يقرأ خلافات العلماء في الكليات والجزئيات، ويرى من صياغة الحجج والبينات ما يصرف نظره من قول إلى قول وربما أدركه الشطط في النظر إلى القول الآخر، فإن لم تكن له نفسية معتدلة واحترام لتعدد الأقوال في مسائل العلم أهلك نفسه وربما أهلك الآخرين.

ب- مهارات البحث العلمي، وهذه لا تلزمه بتمامها وكمالها، بل قد يعتمد على أهلها المتخصصين فيها، لكن هذه المهارات يلزم طالب العلم أن يعلم مصادرها التي يعود إليها عند الحاجة ويعلم منازل تلك المصادر من حيث القبول، وهذا ما أصبح مسطراً في عصرنا بما يسمى بالمداخل.

2- طالب العلم والتدوين:

التدوين من فوائده ترتيب المعلومة في ذهن الطالب وهو مفيد في ضبط العلم والشعور بالإنجاز. فما طريقتكم في التدوين والتلخيص واقتناء الكناشة، وهل هناك أصول يسير عليها العلماء في ذلك تنصحون بها الطالب، أم أنه راجع إلى اجتهاد كل إنسان.

أجاب الشيخ فهد العيبان: الغالب أن كثيراً من هذه الأساسيات ترجع إلى اجتهاد كل شخص وحاجته، لكن لأهل العلم طرقا وأساليب في هذا الأمر يحسن بطالب العلم النظر فيها والاستفادة منها، ومن ذلك:

أ- هناك تعليق للفوائد والشرائد يكون في الكتاب إما في أوله أو في آخره ولا يقيد من الفوائد إلا ما يكون منها في غير مظانها أو نفيسا ونحو ذلك.

ب- التعليق على كلام المؤلف إما بشرح غريب أو زيادة فائدة أو تنبيه على خطأ أو نحو ذلك ويكون هذا على حاشية الصفحة مع وضع رقم للفائدة.

ج- جمع الفوائد والنفائس في دفتر خارجي يجمع فيه طالب العلم ما يقع عليه في قراءته من فوائد ويحاول بقدر الإمكان تصنيفها بحسب الفن. أو يجمع فوائد كل كتاب لوحده.

3- طالب العلم والورد العلمي:

هناك من أهل العلم من له ورد معين في عدد محدد من الكتب في كل فن، ما مدى جدوى هذه الطريقة في نظركم، ومتى يكون ذلك في حياة الطالب.

وأجاب أيضاً الشيخ فهد العيبان: هذه الطريقة مهمة في تثبيت العلم واستحضاره، ويسلكها كثير من مشايخنا، فأحدهم له ورد من قراءة الزاد وآخر يقرأ في صحيح البخاري وبعضهم له ورد في أكثر من كتاب ومتن علمي وآخر يقرأ بحسب المواسم، ومما أعرفه عن شيخنا ابن باز: في مراجعته للعلم أنه كان يحرص على القراءة في المغني لابن قدامة مثلا بحسب الموسم كرمضان يقرأ ما يخص كتاب الصيام وهكذا، ويقرأ في كل عام في الحج من كتابه التحقيق والإيضاح المتعلق بأحكام الحج والعمرة.

لكن من المهم أن يكون ذلك لطالب العلم بعد أن يؤسس نفسه ويتقن كثيرا من الفنون، وإلا فالواجب في المراحل الأولى للتحصيل أن تكون القراءة فيما يشرح له فيكرر النظر فيه وذلك في جميع الفنون من فقه وعقيدة وعلوم آلة.

وقال د/ عبد الله وكيل: وجود ورد معين لطالب العلم يحافظ على مراجعته بطريقة ثابتة من أنفع الطرائق لتثبيت العلم وخاصة إذا كان طالب العلم لا يدرس تلك الفنون المتعددة فإن غياب هذا الورد يورث النسيان لمسائل العلم المختلفة وحينئذ يخسر مرتين: الأولى/ في نسيان مسائل العلم ذاتها، والثانية/ غياب التوظيف لتلك المسائل في علوم الشريعة الأخرى فإنه من المعلوم بداهة قوة الترابط بين علوم الشريعة يستوي فيها علوم الغايات أو علوم الوسائل. ولم يزل أهل العلم أصحاب الحافظة القوية يحرصون على مثل هذا الورد وقد حكى لنا شيخنا الشيخ عبد الله بن غديان رحمه الله ما كان يحافظ عليه من الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله من الورد في كتب يقرؤها في نهاية كل أسبوع.

وتشتد الحاجة مع كبر السن وكثرة المشاغل وتعدد الاهتمامات حيث يكون هذا الورد سبباً لبقاء مسائل العلم في الحافظة.

4- طالب العلم والرؤية الواضحة:

ربما لاحظنا من يشغل ذهنه أثناء المسيرة العلمية بمستقبله كأن يكون قاضياً، أو محاوراً ذا حجة قوية ليناقش أهل الفكر المنحرف والطوائف الضالة، أو مثلاً يريد أن يشرف على ملتقى معين. نطلب منكم نصيحة تعين الطالب على التركيز؟

أجاب على ذلك د/ عبد الله آل سيف فقال: كل شخص ينظر لما يتميز به من الملكات والمهارات، ويحاول أن يطور هذه المهارات، والأمة محتاجة للشباب في كل مجال من المجالات النافعة، وكلها طرق تؤدي إلى الجنة إذا أحسن الإنسان النية، وبعضها أفضل من بعض فطريق طلب العلم وتعليم الناس أعلاها درجة ولا يعدل مقام العلماء، فهم أفضل حتى من الشهداء؛ لأن مقامهم مقام ورثة الأنبياء، لكن بعض الناس قد لا ينصح بهذا الطريق لضعف الأدوات التي عنده أو لأن ظروفه لا تساعد على التفرغ للعلم وإفناء العمر فيه.

5- طالب العلم والرحلة:

في هذا الزمن هل يحتاج طالب العلم إلى الرحلة ومقابلة العلماء في مختلف الأقطار أم أغنى عن ذلك وجود الفضائيات والشبكة.

قال د/ عبد الله آل سيف: الرحلة مهمة لطالب العلم وتبني في عقل الطالب وذهنه معاني لا تتحقق بغيرها، كما أنها تحمسه لطلب العلم، ولازال هناك من العلماء من يستحقون الرحلة لهم في أقطار العالم الإسلامي بحمد الله.

طالب العلم والنواحي الفكرية والتاريخية واللغوية:

الترتيب الذهني لطالب العلم من ناحية الإلمام بتاريخ العلم وقرونه وعلماء كل قرن ما ترون فيه؟

ويواصل د آل سيف حديثه: هذا جانب مهم، فدراسة سير العلماء من الدوافع المعينة على طلب العلم والتي تحمس للاستمرار فيه بإذن الله، فمن قرأ سيرة الإمام أحمد والبخاري وأضرابهم شحن نفسه بشحنات قوية بالرغبة القوية في طلب العلم.

ما حالنا مع لغتنا لاسيما أنها لغة القرآن الكريم، وكيف يبنى طالب العلم لغوياً بحيث يكون حديثه على السليقة والفطرة، ويدرك أسرار الإعراب فوراً، وما الكتب الأدبية التي تفيد طالب العلم؟

قال د/ عبد الله وكيل: علم اللغة من أهم علوم الآلة، فبه يفهم كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا.

وعلوم اللغة التي ينبغي الاهتمام بها هي ما تكون سبباً لصحة الكلام وبعدد من الأخطاء وذلك من خلال علم النحو والصرف. وكذا ما يكون سبباً لجمال الأسلوب ورشاقة العبارة، وحلاوة الجملة وذلك ما ينهض بعلم البلاغة.

لكن هذه العلوم تلك لا تحصل الملكة فيها بدراسة مسائلها فقط ولكن بالدربة عليها ومن أنفع ذلك أن يقرأ طالب العلم على من يصحح له خطأه. وأن يكثر من قراءة الكتب الأدب شعراً ونثراً قديماً وحديثاً وخاصة ما كان لأساطين الأدب ورواد البلاغة[15]. وهذه دروس أتمنى أن تحيى في دور العلم ودوراته حتى يصبح لدى طلابنا إقبال عليها ومن ثم استفادة منها.

وغني عن التنبيه أن جمال اللفظ وحلاوة العبارة وصحة السبك قد تعادل أحياناً قوة الحجة من حيث المحتوى بل ربما استعملت حيناً للتغطية عن نقص الحجة ووهاء في الدليل.

وأضاف باختصار الشيخ فهد العيبان: أما الإعراب فمن المهم أن يكثر طالب العلم من قراءة الكتب التي تعتني بالإعراب بعد أن يتقن النحو ولو على متن مختصر كالآجرومية، ومما أنصح به واستفدت منه كثيراً كتاب شرح متن الآجرومية للكفراوي فهو إعراب للمتن مع شرحه وهو نفيس وميسر، وكتاب إعراب القرآن للعكبري.

العلم والتبحر فيه والقراءة الحرة:

يقال: العالم من عرف شيئاً عن كل شيء، وعرف كل شيء عن شيء، بين التخصص والثقافة العامة في جميع الفنون، كيف يسير طالب العلم في فلك هذه المقولة، وبين الفكر والعلم هناك خيط رفيع ربما، فمن يحتاج إلى الآخر، وهل يلزم طالب العلم أن يكون مفكراً، بمعنى أن يعتني بكتب الفكر والسياسة والاجتماع والجغرافيا والتاريخ الغربي وغيرها؟

في هذا الأمر الواسع حلق بنا الضيوف في تحريرات رصينة فعلاً فيها من الغيرة على الأمة وحسن الإدراك وسعته ما يثلج الصدر فلعلنا نبدأ بإجابة علم في الأمة وهو د/ زغلول النجار رئيس هيئة الإعجاز العلمي بالقاهرة وقد طار بنا في سماء تحرير بديع صافية، يشابه فعلاً ما سطره د/ أحمد الضاوي من غيرة وسعة إدراك على حال الأمة وعلومها ونختصر ما ذكره حيث قال حفظه الله: من مآسي عصرنا أن قيادة المعارف العلمية المكتسبة قد انتقلت من أيدي المسلمين إلى أيدي طائفة من الكفار والمشركين، وحين تقدمت المعارف العلمية والتقنية بأيدي هؤلاء صاغوها صياغة منكرة للدين، ومتنكرة لرب العالمين. لذلك أنصح القائمين على مناهج التعليم بضرورة التأصيل الإسلامي لجميع المعارف المكتسبة بوضع منتجاتها الكلية في الإطار الإسلامي الصحيح ، انتصاراً للحق العلمي وللحق الديني الصحيح في آن واحد، وإبراز إسهامات المسلمين في كل مجال من مجالات المعرفة الإنسانية.

وأنصح الشباب في عالمنا الإسلامي بضرورة الإقبال على دراسة العلوم في أطرها التي ذكرت آنفاً[16].

وسألناه كذلك عن كتب الإعجاز العلمي وأثرها على طالب العلم فقال:من الضوابط الملزمة في التعامل مع قضية الإعجاز العلمي في كل من كتاب الله وسنة خاتم أنبيائه ورسله الالتزام بتوظيف الحقائق القطعية الثابتة التي حسمها العلم، والتي لا رجعة فيها.

والعلوم التجريبية إذا وصلت إلى مقام الحقيقة أو القانون، أو المعادلة الرياضية الصحيحة فإنها لا يمكن أن تنقلب على ذاتها، وإن بقي الباب مفتوحاً للتوسع فيها والإضافة إليها، أما كل من الفرض والنظرية فهو قابل للسقوط، وعليه فلا يمكن استخدامهما في مجال الإعجاز العلمي إلا في حالات التفسير للآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بقضايا الخلق والإفناء والبعث لكل من الكون والأحياء والإنسان. وفي هذه الحالات يستضيء الباحث بالآية القرآنية الكريمة أو بالحديث النبوي الصحيح في التمييز بين عدد من النظريات العلمية للانتصار لإحداها بمجرد وجود إشارة لها في آية أو حديث نبوي. وذلك لأن الإنسان مهما أوتي من أسباب الذكاء والفطنة، ومن أدوات التقنية المتقدمة لا يمكنه أن يتجاوز مرحلة التنظير في قضايا الخلق والإفناء والبعث، ولذلك تتعدد فيها النظريات، ويبقى للمسلم (وللمسلم فقط) نور من الله الخالق- سبحانه وتعالى- في آية قرآنية كريمة ، أو في حديث نبوي صحيح يعينه على الانتصار لإحدى النظريات العديدة المطروحة، وليس هذا لغير المسلم. وهذه هي الحالة الوحيدة التي يسمح فيها باستخدام النظرية العلمية، لأن الإنسان لا يمكنه أن يصل في مجالات الخلق والإفناء والبعث إلى الحقيقة أبداً إلا بوحي ثابت من الله- تعالى- والوحي السماوي الوحيد المحفوظ على مدى أربعة عشر قرنا أو يزيد، محفوظا بحفظ الله في نفس لغة وحيه هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

وفي توجيه طيب من د/ عبد الله آل سيف قال: طالب العلم ينبغي له التركيز على طلب العلم وأن يحترم تخصصه وأن لا يدخل على الناس في تخصصاتهم وليس من الضرورة أن يكون العالم مفكراً، لكن ينبغي له الإلمام بالحد الأدنى من الكتب الفكرية والسياسية ونحوها حتى يعي واقعه ومجتمعه ولا يكون عرضة للاستغفال.

وفي إجابة الشيخ فهد العيبان إضاءة جميلة جامعة مانعة يستأنس بها طالب العلم حيث قال: ينبغي لطالب العلم في هذا العصر أن يكون عنده اطلاع لا بأس به في هذه العلوم ولا يعني ذلك التفرغ لها ولا التخصص فيها، لكن طالب العلم إذا أراد أن يكون إماماً فلا بد أن لا يكون جاهلاً في هذه العلوم بل يأخذ منها القدر الذي يمكن أن ينفع به الناس ولا يضر نفسه، ويكون ذلك بالقراءة في بعض هذه الكتب ويقتصر على المهم منها، وكذا الاطلاع على المجلات الإسلامية التي لها عناية بشيء من ذلك[17].

أما الدكتور عبد الله وكيل آل الشيخ فقد أعطانا إجابة عصرية مهمة جداً، وهي رسالة منه إلى طلبة العلم وعلماء الأمة أيضاً لا ينبغي إغفالها أترككم معها متدبرين واعين فقال حفظه الله: إن ما نسميه اليوم بالمفكر والعالم ما يسمى قديماً بعنوان الأديب والعالم؛ والفارق بينهما أن الأديب والمفكر لديه حصيلة علمية من فنون متعددة وتتجاوز هذه ميدان العلوم الشرعية إلى ميدان السياسة والاجتماع وعلم النفس ونحوها من العلوم البشرية، بل تتجاوز المنجز الإسلامي إلى ما أنجزه البشر الآخرون على اختلاف عقائدهم ومللهم. وإذا كان الأمر على هذا التحديد فالمفكر اليوم والأديب بالأمس ميدانه المنطلقات الكبرى للعلوم وقضاياها، ولكنه لا يصلح أن يكون قاضياً أو مفتياً أو مفسراً حينما يكون النقاش في مسألة جزئية تحتاج من العمق والدراية ما ليس عنده.

وأما العالم فهو الذي يفقه منطلقات علم بعينه وقضاياه الكلية، كما يحكم في الوقت ذاته مسائله الجزئية، ولكنه قد يفتقد المعرفة ببقية العلوم وخاصة ما كان خارج ميدان العلوم الشرعية، وهذا الاقتصاد في المعرفة قد يعوقه عن الحديث المؤثر في الدوائر العالمية التي تتداخل فيها العلوم، ولذا فمن كمال العالم الذي تخصص في علم بعينه أن يلم بقدر مناسب من العلوم الأخرى شأن كثير من العلماء الأقدمين كالغزالي وابن تيمية وابن خلدون وابن حزم وغيرهم.

وأما طالب العلم الذي لا يزال في مدارج التحصيل الأولى فلا ينبغي له أن يتشتت اهتمامه بتعدد القراءة إلا بعد زمن يحكم فيه مداخل العلوم الأساسية فإن أبى إلا القراءة فلتكن مساحتها من الوقت صغيرة جداً.

وبهذه المناسبة فإني أدعو العلماء إلى صياغة حديثة في الـتأليف يظهر فيها الترابط بين أجزاء العلم الواحد على سنن ما كتبه الأولون في القواعد الفقهية وكذا الفروق الفقهية بحيث يتكون لدى الدارس هيكل العلم متكاملاً ثم يخوض في تفاصيله.

وسألناه كذلك: هناك مجلات بحثية محكمة، وهي ذات مواضيع شيقة وجامعة لما تفرق، فهل هي للمتخصصين فقط، أم يمكن أن يطلع عليها الشباب وتساهم في بنائهم؟

فأجاب د/ عبد الله وكيل: المجلات العلمية سواء ما كان منها ورقياً أو "الكترونيا" يتميز بميزتين مهمتين؛ الأولى: التدقيق والتحقيق للمسائل المطروحة فيها وجمع أكبر عدد من النصوص في المسألة ميدان البحث مما يختصر على المتابع جهدا "كبيرا" كان سينفقه في تتبع المادة العلمية.

الثانية: أنها متابعة لنوازل الحياة ومعالجة العلم لها، وطالب العلم ينبغي أن يعيش هموم عصره وقضاياه فالعلم ليس حوادث تاريخية، بل هو حركة حيوية في تفاعل الشريعة مع مستجدات الحياة ومن المناسب أن يطلع طالب العلم على المجلات في تخصصه إن لم تكن كلها فالكثير منها وأن يطلع على المجلات الأخرى بالقدر الذي يحتاج إليه. وقريب من هذا المنتديات والمواقع العلمية وهذا تزيد بميزة أخرى إذ فيها حوار حي بين المتخصصين وهذا الحوار هو الذي يثري مسائل العلم ويولد التحقيق ويقوي رحم العلم بين أهله شريطة أن تكون النقاشات منطلقة من ثوابت العلم مكتسبة بآداب الطلب والبحث[18].

• •

على طريق المستقبل:

يتساءل الكثيرون لماذا كليات أصول الدين وعلوم الشريعة ليست بذات مستقبل يبني الطالب المتخرج ويجعله متقناً تخصصه مثل كليات الطب والهندسة التي يتخرج الطالب فيها محكماً تخصصه ناهيك عن مكانة يتلقاها في مجتمعه؟

في إجابة متألمة وأسيفة على الواقع فعلاً يجيب د/ عبد الله آل سيف: لو كانت العلوم على طريقة السلف في التلقي والحفظ والمدارسة ووفق المناهج التي مشوا عليها وأضيف عليها الوسائل الحديثة لرأيتها تخرج طلبة علم متميزين، لكن إذا كانت كلية أصول الدين - قسم السنة لا تلزم الطلب بالحد الأدنى من التأصيل كاستظهار بلوغ المرام وحفظ ألفية السيوطي في المصطلح ومعرفة أحاديث الكتب الستة بكثرة المراجعة، وقسم علوم القرآن لا يلزم الطالب بحفظ القرآن ولا بشيء من المنظومات في التجويد وعلوم القرآن مع شرح هذه المنظومات، ولا يلزمون الطالب ببرامج قراءة ولا جرد فلا نستغرب حينها النتيجة.

هناك توجه جديد عند عدد من طلبة العلم ألا وهو التخصص الإعلامي، سواء المرئي أو الصحفي ومنهم من جمع الأمرين، ما نصيحتكم لطالب العلم الإعلامي - إن صحت التسمية -؟

وكذلك قال حفظه الله: طالب العلم يحتاج لتفرغ وأوقات طويلة، فالعلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، نصيحتي لإخواني بالتخصص في طلب العلم أكثر، والمشاركة لا مانع منها لكن بقدر ما يفيد ويزكي علمه.

وقد ختمنا تحقيقنا[19] بهذا السؤال: كلمة أخيرة بعد هذا الحوار لطالب العلم، أو حول مشاريع خاصة تتبنونها؟

فقال د/ عبد الله آل سيف: أدعو في النهاية المؤسسات المعنية بالمحاضن العلمية العناية بإيجاد محاضن لصناعة العلماء بحيث تبنى على منهج علمي أصيل ورصين وينضم له المهتمون والراغبون من طلبة العلم، فالمتحمسون كثير لكن يحتاجون للبيئة المناسبة التي تسهل العلم وتحببه له، والتجربة الموريتانية حرية بالدراسة من قبل المهتمين فهي نموذج لبيئات غنية بمحاضن صناعة العلماء[20].

وأجاب الشيخ فهد العيبان: على طالب العلم أن يعلم أن كثيرا من المصاعب التي قد يظنها بعض طلاب العلم مصاعب سواء في الحفظ أو الفهم أو الاستحضار، إنما هي أوهام وهي راجعة إلى ضعف الهمة والفتور، فالعلم والفهم توفيق من الله وفتح منه، فمن اجتهد في طرق الباب يفتح له مع الاستعانة بالله واجتناب معاصيه والعمل بما تعلم، فكم من مشايخنا الذين أدركناهم لم يكونوا أحفظ الناس ولا أشدهم ذكاء، وإنما الذي ميزهم وأوصلهم إلى ما هم فيه من المنزلة العلمية هو بعد توفيق الله صدقهم مع الله واجتهادهم في تحصيل العلم وصبرهم عليه مع التعبد والتنسك الظاهر في حياتهم اليومية[21].


[1] نُشر هذا التحقيق بمجلة البيان عدد شعبان 1432 هـ، للكاتب أحمد مقرم النهدي؛ الباحث المتتبع لقضايا التأصيل العلمي والثقافي.

[2] التين: ٤ – ٥

[3] الآيات الفجر: ٧ - ١٤

[4] الآيات الأنبياء: ٧٩ – ٨١

[5] البقرة: ٣١

[6] النساء1

[7] البقرة، الآية 111.

[8] وأما حديث: (تفكروا في آلاء الله تعالى، ولا تفكروا في الله تعالى) أخرجه أبو الشيخ (1/210، رقم 1)، والطبرانى فى الأوسط (6/250، رقم 6319)، قال الهيثمى (1/81): فيه الوازع بن نافع وهو متروك. وابن عدى (7/95، ترجمة 2017 وازع بن نافع العقيلى)، والبيهقى فى شعب الإيمان (1/136، رقم 120) قال البيهقى: هذا إسناد فيه نظر. وحسنه الألباني في الصحيحة (4/287).

[9] للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله مقالة مؤثرة جداً في كتاب فكر ومباحث عنوانها "سؤال". (معد التحقيق)

[10] أفاض عدد من الضيوف في ذكر قصص جميلة لا يتسع المقام لذكرها.

[11] بهذا الصدد يسرني أن أضيف على هذه النقطة مستأذناً شيخي الفاضل إضافة نافعة إن شاء الله: هناك جهود شخصية طيبة لعدد من المشايخ في كل فن منها: كيف تكون فقيهاً د/ عبد الله الزاحم، ومادة أخرى بعنوان: كيف تكون مفسراً د/ مساعد الطيار، وهناك منظومة الزمزمي في علوم القرآن، كما أن مقدمات الشيخ السعدي رحمه الله في التفسير والقواعد الفقهية والفروق والتقاسيم مهمة جداً، وللدكتور وصفي عاشور أبو زيد مقالات مهمة في تكوين ثقافة الفقيه موجودة على الشبكة، ومن لطائف الكتب التي ينبغي ألا يغفلها طالب العلم كتاب روضة العقلاء لابن حبان ومنظومة الآداب المعروفة بـ(دالية ابن عبد القوي) وكتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وصحيح السيرة النبوية للشيخ محمد العلي وكتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم. (معد التحقيق).

[12] يقول ابن بدران رحمه الله": اعلم أن كثيراً من الناس يقضون السنين الطوال في تعلم العلم بل في علم واحد ولا يحصلون منه على طائل وربما قضوا أعمارهم فيه ولم يرتقوا عن درجة المبتدئين وإنما يكون ذلك لأحد أمرين:أحدهما: عدم الذكاء الفطري وانتفاء الإدراك التصوري وهذا لا كلام لنا فيه ولا في علاجه.والثاني: الجهل بطرق التعليم وهذا قد وقع فيه غالب المعلّمين فتراهم يأتي إليهم الطالب المبتدئ ليتعلم النحو مثلاً فيشغلونه بالكلام على البسملة ثم على الحمدلة أياماً بل شهوراً؛ ليوهموه سعة مداركهم وغزارة علمهم ثم إذا قُدّر له الخلاص من ذلك أخذوا يلقنونه متناً أو شرحاً بحواشيه وحواشي حواشيه ويحشرون له خلاف العلماء، ويشغلونه بكلام من رد على القائل وما أجيب به عن الرد، ولا يزالون يضربون له على ذلك الوتر حتى يرتكز في ذهنه أن نوال هذا الفن من قبيل الصعب الذي لا يصل إليه إلا من أوتي الولاية ". اهـ (المدخل ص 265).

[13] سألنا الشيخ عن الدورات العلمية الصيفية فقال: هذه الدورات العلمية فيها خير كثير، ولكن ينبغي أن نعلم أنه لا يمكن أن يكتفى بها في باب التحصيل والبناء العلمي، وإنما هي وسيلة من وسائل التعلم ينبغي أن يستفيد منها طالب العلم إما في مراجعة ما سبق أن تعلمه، أو أن تكون مفتاحا لما سيتعلمه، ولا ينبغي أن يكتفي بها عن الدروس الطويلة والتي تكون أكثر تفصيلا وتأنياً في البناء العلمي.

[14] - روى الخطيب البغدادي عن أبي العباس المبرّد قال: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة، وذكر الجاحظ إمام أهل الأدب المعتزلي، والفتح بن خاقان الأديب وكان وزير المتوكل، وإسماعيل بن إسحاق القاضي الفقيه المالكي، قال: أما الأول فكان يقرأ كل كتاب يقع بين يديه وكان يكثر زيارة دكاكين الوراقين ليقرأ ما فيها، وأما الثاني فكان يحمل الكتاب في كمِّه ويستفيد من قيامه وجلوسه عند الخليفة، وأما الثالث فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتاب.

[15] ذكر ابن خلدون رحمه الله: وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي. ا.هـ كما أن كتاب جواهر الأدب للسيد الهاشمي فيه لطائف شيقة ورائعة وتأصيلية. (معد التحقيق).

[16] راجع مقالاً للدكتور على هذا الرابط: http://www.islamstory.com (الجيل-القرآني-وبناؤه-العلمي)

[17] الكتب الفكرية المأمونة تفتق ذهن طالب العلم وتوسع مداركه، وهي فعلاً تزيد فهمه للأحداث والرؤى من خلال تعدد الآراء والوصول إلى نتيجة تحليلية مفيدة وناضجة، ومن الأمثلة على الكتب المفيدة في ذلك ما يصدره مركز الدراسات والبحوث في مجلة البيان من تقارير استراتيجية وكتب مفيدة ذات خلاصات رائعة ومبحوثة بعناية مثل: مجوعة الإسلام لعصرنا، وكتاب الإسلام والعولمة، وقواعد شرعية في إدارة الصراع الحضاري بين المسلمين والغرب د.سامي الدلال، ونقد الليبرالية وغيرها، وهناك مؤلفات لكتاب معينين ينبغي ألا يغفلهم طالب العلم من جدوله العلمي مثل كتب مالك بن نبي (مستقبل الأفكار في العالم الإسلامي، ميلاد مجتمع، مشكلات الحضارة)، وأبو الحسن الندوي ولا سيما كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، ومحمد قطب في (واقعنا المعاصر)،ومحمد الغزالي في (علل وأدوية، الإسلام والطاقات المعطلة) وهناك (حاضر العالم الإسلامي) لجميل المصري، وكتابات عبد الوهاب المسيري وعماد الدين خليل (تهافت العلمانية، إسلامية المعرفة)، ومحمد العبدة (قيام الدول وسقوطها)، وأنور الجندي وغيرهم وللدكتور صالح الحصين كتابات عن الغرب والإسلام.

وكتاب موقف الاتجاه الإسلامي العقلاني من النص الشرعي د. سعد العتيبي وغيرها.. (معد التحقيق).

[18] من هذه المجلات مجلة البيان والمستقبل الإسلامي، ومجلة الحكمة، ومجلة الأصول والنوازل، ومجلة الإسلام اليوم، وهناك مواقع مهمة مثل: موقع رؤى فكرية، يقظة فكر، والألوكة، المختصر للأخبار، قصة الإسلام لراغب السرجاني، والتاريخ الإسلامي لمحمد موسى الشريف وغيرها كثير جداً.

[19] لعل هذا التحقيق يجمع وينشر بكامل مادته في كتاب بإذن الله، ويُزوّد بملاحق مختلفة ومفيدة لبناء طالب العلم، لذا نرجو من الإخوة تزويدنا بآرائهم حول هذا الكتاب وإفاداتهم ومقترحاتهم على بريدي المذكور، وستسجل الفكرة باسم صاحبها، وهم شركاء في الأجر والمثوبة ولعل الله ينفع به طلبة العلم في مشارق الأرض ومغاربها، ويكون دليلاً ومرجعاً لهم. (أخوكم معد التحقيق).

[20] للشيخ حفظه الله محاضرة بعنوان الإبداع في طلب العلم فيها طرائق شيقة جداً يحسن بطالب العلم الرجوع إليها على هذا الرابط:

http://liveislam.net/browsearchive كما أن له لقاء شيقا على موقع الإسلام اليوم على هذا الرابط عن التأصيل الفقهي:

http://islamtoday.net/nawafeth/

[21] ذكر الشيخ في ورقة عمل ألقاها في مؤتمر عن التأصيل العلمي توصيات مهمة وهي:

1- إشاعة مبدأ التأصيل العلمي بين طلاب العلم، وذلك من خلال الاستمرار في إقامة الدروس العلمية المنهجية، ودعمها.

2- الحرص على نشر تجارب التأصيل العلمي، وحث المراكز العلمية على إقامة الدورات العلمية المؤصّلة.

3- تشجيع المشايخ على إعادة مسلك العلماء في طريقة التعليم المنهجية.

4- جمع ما يمكن من تجارب وأبحاث حول التأصيل العلمي، ضوابطه ومفهومه، وإخراجها في كتاب يتداول بين أهل العلم.

5- تفعيل جانب الشمولية في التأصيل العلمي والمنهجية العلمية، وعدم الاقتصار على الجانب العملي فقط.


المصدر شبكة الألوكة
1948 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

العلم الصحيح لا يناله الإنسان إلا إذا كان قلبه نقيًّا تقيًّا طاهرًا، حتى إذا دخل العلمُ قلبَه لا يخرج أبًدا، ولا يشك فيه أبدًا، والعلم الصحيح يحتاج إلى إخلاص؛ لأن المخلِص سيأخذ العلم كما هو ويَنقُله كما هو، فلن يتحكم فيه شيطانه، وتسيطر عليه أهواؤه، لن يعارض نصوصَ الشرع بدعوى أن العقل يرفضه؛ قال الإمام علي - رضى الله عنه -: "لو كان الدين بالرأي لكان المسح أسفل الخفَّين أولى من أعلاهما"؛ فالإسلام هو الاستسلام لكل ما أنزله الله - تعالى - دون الاحتكام إلى العقل أو الواقع أو الهوى؛ قال - تعالى - : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

والعلم الصحيح يحتاج إلى البذل في المال والنفس، فعلى طالبِ العلم الإنفاق على علمه بأن يشتري الكتب، والترحال إلى العلماء الربانيين في شتى البلاد؛ لأخذ المسائل حتى لو كانت مسألة واحدة؛ فقد كان العلماء يذهبون أيامًا وليالي لمعرفة المسألة الواحدة، فلا بخل مع العلم؛ فمَن بخل، فإنما يبخل على نفسه، وعلى طالب العلم ألا ييئس من طلب العلم حينما يشعر بالنَّصَب والتعب والمشقة، فمع الصبر تَنَالُ العلم.

العلم الصحيح له أركان عديدة، يُبنَى عليها؛ أهمها: أخذ العلم من أفواه العلماء الربانيين؛ فالعلم الصحيح لا يأتي إلا من العلماء الصادقين الذين يخشون الله - تعالى - فإذا رأيت عالمًا يخشى الله - تعالى - فخُذْ منه العلم؛ فهو العالم حقًّا، قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، أمَّا إذا رأيت عالمًا لا يخشى اللهَ - تعالى - ولكن يخشى على منصبه أو قُرْبه من السلاطين والأمراء، أو يخشى من أن يصفه أحدٌ بتشدده؛ فيتساهل في الأحكام، فيقول الفتوى التي تضيع حق الله - تعالى - وحق البشر؛ إرضاءً للآخرين، وليس إرضاءً لله - تعالى؛ فلا تأخذ منه.

على طالب العلم الذي يريد العلم الصحيح أن ينقلَ العلم كما هو من أفواه العلماء وكتبهم، وينقله للناس كما هو؛ لأنه بدون ذلك قد يؤثِّر على المسائل والأحكام؛ فتكون ناقصة، لا سيما وأن هناك بعض الناس لا يقتنعون بالإجابة على الحكم أو المسألة إلا إذا كان فيها تفصيل بكل الأدلة، ولأن عقول الناس ليست على درجة واحدة من الوعي والفهم؛ فالبعض لا يفهم الإجابة على الحكم أو المسألة مرة واحدة؛ فقد لا يفهم جزءًا من الإجابة ويفهم الجزء الآخر، وعلى ذلك يفضَّل نقل العلم كما هو بتفصيلاته، بالإضافة إلى أن نقل العلم كما هو يحافظ عليه على مر السنين؛ فلا يدخله تحريف أو نقص، فلو حذفنا أو اختصرنا دون تفصيلٍ في الأحكام والمسائل؛ فسيأخذها الناس ناقصة كما أخذوها، ومع مرور السنين يأتي آخرون فيأخذونها مختصرة، وهكذا حتى يأتي اليوم الذي نجد فيه الإجابة على الحكم والمسألة بـ: (حلال - حرام - يجوز - لا يجوز)، فقط دون تفصيل الدلائل؛ وذلك لأن التفصيل غير موجود - مسائل وأحكام "تيك أواي" - فمثلاً إذا أخذ طالب العلم إجابةَ فتوى معينة بأنها حلال بدليلٍ من القرآن وترَك الدليل من السنة، ونقله إلى غيره؛ فإن مَن يأخذه منه فسيأخذه ناقصًا بدون الدليل من السنة، ثم يأتي آخر يأخذ الإجابة بأنها حلال دون الاستشهاد بأي دليل، وبذلك تكون الإجابة على الفتوى بـ: (حلال - حرام - يجوز - لا يجوز) فقط؛ فيحدث خلل وفوضى قد تقضي على الدين كما يحدث الآن في بعض الأحيان حينما نسأل أحدَ الذين يشار إليهم بالعلم، فنقول له: ما رأيك في هذه المسألة؟ فيقول: إنها - مثلاً - حلال، دون أن يفنِّد دليل حِلِّه، فإذا سألته عن الدليل، يقول: أنا أعرف أنها حلال فقط، ويرد على السائل، ويقول: "الذي يهمك في الحكم أن تعرف إن كان حلالاً أم حرامًا فقط"!

ومن هذا المنطلق يحدث فوضى في الفتاوى كما يحدث الآن، فمعظم الناس يقولون بلا علم، ويتكلمون بلا دليل، حتى رأينا الرُّوَيبِضة يتكلمون في الحلال والحرام بلا أدلة من القرآن أو السنة أو من أقوال السلف، بل يحلُّون ويحرِّمون من خلال آرائهم فقط، وكأن الدين عرضة لأقوالهم؛ ولأن الذمم قد خَرِبت، والفساد قد انتشر؛ فيجب على طالب العلم أن ينقلَ العلم كاملاً، فلا ينقص أو يضيع مع مرور السنين؛ حتى لا يحدث ما لا تُحْمَد عُقْبَاه، فكلما كان العلم كاملاً كان حصنًا قويًّا لمنع أعدائنا من خرقِ ديننا، وبذلك يأتي النصر على الأعداء من خلال مقاومة العلم لأفكارهم الهدَّامة التي تسعى للقضاء على أفكارنا، وبالتالي على ديننا.

والذي يريد أن يتعلم العلم الصحيح ينبغي عليه أولاً أن يحفظ كتاب الله - تعالى - ويعرف بعض تفسيره حتى يساعدَه ذلك على استيعاب الأحكام، خاصة وأن معظم هذه الأحكام يستدل بها من القرآن الكريم، فضلاً عن أن القرآن هو الأصل في العلم، فلا علم بلا قرآن، بل أقولها: إن القرآن هو العلم نفسه، فمَن لم يعرف القرآن فاضربوا بعلمِه عُرْضَ الحائط، ويأتي بعد حفظ القرآن معرفةُ أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحفظ بعضها؛ حتى يستطيع جمع العلم كله، فالعلم كله يأتي من الكتاب والسنة، وبهما لن يضل الناس، لن يضلوا في العلم، ولن يضلوا في الدين، ولن يضلوا في حياتهم، وفي أُخْرَاهم، ولن يضلوا في حكمهم على الأمور، ولن يضلوا في أقوالهم وأفعالهم؛ فعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي)).

"وأخس همم طلاب العلم قصر همته على تتبع شواذِّ المسائل، وما لم ينزل ولا هو واقع، أو كانت همته معرفة الاختلاف، وتتبع أقوال الناس، وليس له همة إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال، وقلَّ أن ينتفع واحدٌ من هؤلاء بعلمِه، وأعلى الهمم في باب الإرادة أن تكون الهمةُ متعلِّقةً بمحبة الله، والوقوف مع مراده الديني الأمري، وأسفلها أن تكون الهمة واقفةً مع مراد صاحبها من الله؛ فهو إنما يعبده لمراده منه، لا لمراد الله منه؛ فالأول يريد الله ويريد مراده، والثاني يريد من الله، وهو فارغ عن إرادته، علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناسَ بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلمُّوا قالتْ أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دَعَوا إليه حقًّا كانوا أول المستجِيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطَّاع الطرق، إذا كان الله وحدَه حظك ومرادك؛ فالفضل كله تابع لك، يزدلف إليك؛ أي: أنواعه تبدأ به، وإذا كان حظك ما تنال منه؛ فالفضل موقوفٌ عنك؛ لأنه بيدِه تابع له، فعل من أفعاله، فإذا حصل لك؛ حصل لك الفضل بطريق الضمن والتبع، وإذا كان الفضل مقصودك لم يحصل الله بطريق الضمن والتبع؛ فإن كنت قد عَرَفته وأنستَ به، ثم سقطت إلى طلب الفضل؛ حرمك إياه عقوبة لك، ففاتك الله وفاتك الفضل"[1].

والعلم الصحيح لا يأتي إلا من خلال طلاب عندهم وعي كامل، وعقل مستنير، وقلب نابض، يعرفون جيدًا أنهم يحملون على عاتقهم المسؤولية لتعليم الناس، وحثهم على تطبيق هذا العلم في حياتهم، فإذا كان طالب العلم لديه القدرة على الاستيعاب، وتحصيل العلم؛ فإنه سيقدِّمه للآخرين مبسطًا وميسرًا، بلا تعقيد أو تشويش، فإن الفهم في تحصيل العلم مساعد رئيسي لجعل العلم صحيحًا بلا شوائب، وهذا الفهم لا يأتي إلا من طالب واعٍ، له عقل مستنير، وقلب نابض، وعليه فإن الطالب سيفهم المراد من أستاذه في وقت قصير، بل إنه قد يصحِّح الأخطاء التي تقع من غيره حتى لو كان صغيرًا، وحتى لو كان المخطئ الأستاذ؛ كما كان يفعل الإمام البخاري مع شيوخه، والإمام الشافعي أيضًا، والفهم يُبنَى عليه العلم الصحيح، فلا استنباط للمسائل بدون فهمٍ، ولا تلقي للعلم بدون فهم؛ فالحمار قد يحمل كتبًا ولا يفهم ما في هذه الكتب، فنرى طلابًا لا يعلمون شيئًا عمَّا أخذوه من شيوخهم، وفي نفس الوقت نرى طلابًا أذكياء يتلقون العِلم بسرعة، بل إنهم قد يوجِّهون الشيخ في مسألة لتخرج منها مسألة أخرى كانت بعيدة عن الشيخ، بل إن الطالب الواعي كثير السؤال؛ لأن عقله أوسع من غيره، فينتج عن ذلك زيادة في العلم فضلاً عن تفصيل في الحكم أو المعلومة التي يتلقاها من أستاذه، فالأستاذ يأتي بكل شيء في هذا الحكم؛ لأن كثرة السؤال تفتح أمامه كل الأبواب العلمية، فالفهم مفتاح العلم، فكلما كان الطالب ذكيًّا كان العلم صحيحًا، وكلما كان طالب العلم غبيًّا كان العلم مشوشًا.

وعلى طالب العلم أن يكون محبًّا للعلم، له قلب شغوف لطلب العلم؛ لأن العلم الصحيح لا يأتي إلا من خلال طالب محب للعلم، فالمحب للعلم لا يملُّ من طلب العلم فنراه هنا وهناك، عندما يسمع بوجود محاضرة للعالِم الفلاني في مكان ما، فإنه يسعى لتلقِّي العلم، ويطلب العلم حتى لو كان مرهقًا أو مريضًا؛ فلحبه للعلم ينسى الإرهاق والتعب والنَّصَب، ولحبه للعلم يجعل من نفسه حارسًا للعلم، فلا يستطيع أحدٌ أن يصيب العلم بأي أذًى، فلا يهدم أصوله أو أحكامه، يقف أمام المنافقين الذين يدنِّسون العلم بأقوالهم وأفكارهم، لا يجد راحة إلا مع العلم، ولا يجد صاحبًا إلا العلم، ولا يجد معينًا إلا العلم، وهذا كله بسبب حبه للعلم، وعليه فإنه يجمع العلم الصحيح، ويترك ما يعكِّر صفو هذا العلم، فالحب من أساسيات طلب العلم الصحيح، فإن كان الإنسان مكرهًا، فإنه لن يستوعب أي علم، بل إنه قد يأخذ الباطل منه، ويقدمه للناس لكراهيته للعلم، فنرى طلابًا في المدارس والجامعات يكرهون العلم؛ لذلك نجدهم غارقين في الرذائل والمنكرات، وإذا سألتَهم عن حكمٍ أو مسألة يجيبون بأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان، فيقدمون للناس علمًا فاسدًا، يهدمون به دين الله - تعالى.

أما المُحِب للعلم، فإنه يأخذ العلم الصحيح، ويتتبع كل مسألة حتى آخرها، ولو أخذ من وقته الكثير، فالذي يحب شخصًا إذا جلس معه، فإنه لا يريد أن يفارقه حتى لو جلس معه النهار والليل معًا، فما بالكم بعلم ينفع في الدنيا والآخرة؟! فلا علمَ بدون حبٍّ للعلم، ومع هذا العلم الصحيح يأتي النصر؛ لأننا نأمر بما أمرنا الله - تعالى – به، وننتهي عما نهانا الله - تعالى - عنه، ونسير على نهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فبذلك ننصر الله - تعالى - وبالتالي ينصرنا الله - تعالى، قال - تعالى -: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]؛ فإذا طبَّقنا شريعة الله - تعالى - في أرضه كان النصر حليفنا.

العلم الصحيح لا يأتي إلا إذا كان التعليم في بلادنا خاليًا من شوائب العلمانية وأفكارهم، وخاليًا من الضغوط التي يمارسها الغَرْب على حكوماتنا؛ حيث يطالبونهم دائمًا بإلغاء الأبواب المتعلِّقة بالجهاد وغير ذلك، وللأسف فإن بعض الدول العربية قد فعلتْ ذلك، بل وصل الأمر إلى التدخل في مناهج المعاهد الأزهرية والجامعات الأزهرية، حتى تم دمج بعض المواد الشرعية، وإدخال - بدلاً منها - مواد أخرى فلسفية لا قيمة لها، وهناك تدخُّلات أخرى تسبَّبت في دراسة بعض المواد الخاصة بالثقافة الجنسية، الأمر الذي يزيد من غريزة الشهوة عند الطلاب، وللأسف فإن ذلك تبدأ دراسته من المرحلة الابتدائية؛ مما قد يسبِّب للأطفال أمراضًا نفسية معقَّدة، فالضغوط ما زالت مستمرَّة حتى الآن؛ "فإذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته، ويتحرَّر من رقِّ غيره، وإذا كان يطمح إلى القيادة، فلا بد إذًا من الاستقلال التعليمي، بل لا بد من الزعامة العلمية، وما هي بالأمر الهيِّن، إنها تحتاج إلى تفكير عميق، وحركة التدوين والتأليف الواسعة، وخبرة إلى درجة التحقيق والنقد بعلوم العصر، مع التشبع بروح الإسلام والإيمان الراسخ بأصوله وتعاليمه، إنها لمهمة تنوء بالعُصْبة أُولِي القوَّة، إنما هي من شأن الحكومات الإسلامية، فتنظم لذلك جمعيات، وتختار لها أساتذة بارعين في كل فنٍّ فيضعون منهاجًا تعليميًّا يجمع بين محكمات الكتاب والسنة وحقائق الدين التي لا تتبدل وبين العلوم العصرية النافعة والتجربة والاختبار، ويدوِّنون العلوم العصرية للشباب الإسلامي على أساس الإسلام، وبروح الإسلام، وفيها كل ما يحتاج إليه النشء الجديد، مما ينظمون به حياتهم، ويحافظون به على كيانهم، ويستغنون به عن الغرب، ويستعدون للحرب، ويستخرجون به كنوز أرضهم، وينتفعون بخيرات بلادهم، وينظمون مالية البلاد الإسلامية، ويديرون حكوماتها على تعاليم الإسلام بحيث يظهر فضل النظام الإسلامي في إدارة البلاد، وتنظيم الشؤون المالية على النظم الأوروبية، وتحل مشاكل اقتصادية عجزت أوروبا عن حلها، بالاستعداد الروحي والاستعداد الصناعي والحربي والاستقلال التعليمي ينهض العالم الإسلامي، ويؤدِّي رسالته، وينقذ العالم من الانهيار الذي يهدِّده.. فليست القيادة بالهزل، إنما هي جد الجد، فتحتاج إلى جد واجتهاد، وكفاح وجهاد"[2].

وحتى يخلد العلم الصحيح إلى أن يقضي الله - تعالى - أمرًا كان مفعولاً؛ يجب حفظ العلم في الصدور والكتب، وما أدراكم ما الكتب؟! فلها من الأهمية التي لا يدركها إلا متعمِّق في دراسة الكتب وقراءتها، فالكتاب مصدرٌ للعلم والتعليم؛ فهو المربي بعد الشيخ، والمعلم بعد الشيخ، وهو البوصلة التي يتحرَّك من خلالها طالب العلم، فالطالب يسمع من شيخه، ثم يثبت ذلك بدراسة الكتاب؛ "فالإنسان لا يعلمُ حتى يكثُرَ سماعُه، ولا بُدَّ من أن تكون كتبُه أكثرَ من سَمَاعِه؛ ولا يعلمُ، ولا يجمع العلم، ولا يُخْتَلَف إليه، حتى يكون الإنفاقُ عليه من ماله، ألذَّ عندَه من الإنفاق من مال عدوِّه، ومَن لم تكن نفقتُه التي تخرج في الكتب ألذَّ عنده من إنفاق عُشَّاق القيان، والمستهترين بالبنيان؛ لم يبلغ في العلم مبلغًا رضِيًّا، وليس يَنتفِع بإنفاقِه، حتى يؤثِر اتِّخاذَ الكتب إيثارَ الأعرابي فرسَه باللبن على عياله، وحتى يؤَمِّل في العلم ما يؤمِّل الأعرابي في فرسه.

حرص الزنادقة على تحسين كتبهم:

قال إبراهيم بن السِّندي مرة: "ودِدْتُ أنَّ الزنادقة لم يكونوا حرصاء على المغالاة بالوَرَق النقيِّ الأبيض، وعلى تخيُّر الحبرِ الأسودِ المشرِق البرَّاق، وعلى استجادةِ الخطِّ والإرغاب لمن يخطُّ، فإنِّي لم أَرَ كورَق كتبِهم ورقًا، ولا كالخطوط التي فيها خطًّا، وإذا غرِمتُ مالاً عظيمًا - مع حبِّي للمال وبُغْضِ الْغُرْم - كان سخاءُ النفس بالإنفاق على الكتب دليلاً على تعظيمِ العلمِ، وتعظيمُ العلم دليلٌ على شرف النفس، وعلى السلامة من سُكْر الآفات، قلت لإبراهيم: إن إنفاقَ الزنادقةِ على تحصيل الكتب، كإنفاق النصارى على البِيَع، ولو كانت كتبُ الزنادقةِ كتبَ حكمٍ، وكتبَ فلسفة، وكتبَ مقاييسَ وسُنَنٍ وتبيُّنٍ وتبيينٍ، أو لو كانت كتُبهم كتبًا تُعرِّف الناسَ أبوابَ الصِّناعات، أو سُبُلَ التكسُّب والتجارات، أو كتبَ ارتفاقاتٍ ورياضاتٍ، أو بعض ما يتعاطاه الناسُ من الفطن والآداب - وإنْ كان ذلك لا يقرِّب من غِنًى ولا يُبْعِد من مأثَم - لكانوا ممَّن قد يجوز أن يُظَنَّ بهم تعظيمُ البيان، والرغبةُ في التبيُّن، ولكنَّهم ذهبوا فيها مذهبَ الدِّيانة، وعلى طريقِ تعظيم المِلَّة، فإنما إنفاقهم في ذلك، كإنفاق المجوس على بيت النار، وكإنفاقِ النصارى على صُلْبان الذهب، أو كإنفاق الهند على سَدَنةِ البِدَدَة، ولو كانوا أرادوا العلمَ لكان العلمُ لهم مُعرَضًا، وكتبُ الحكمة لهم مبذولةً، والطرقُ إليها سهلة معروفة، فما بالُهُم لا يصنعون ذلك إلا بكتُب دياناتهم؟! كما يزخرفُ النصارى بيوتَ عباداتهم، ولو كان هذا المعنى مستحسَنًا عند المسلمين، أو كانوا يرون أن ذلك داعيةٌ إلى العبادة، وباعثةٌ على الخشوع؛ لبلَغُوا في ذلك بعَفْوهم، ما لا تبلُغُه النصارى بغاية الجَهْد.

وقال بعضهم: كنتُ عند بعضِ العلماء، فكنتُ أكتب عنه بعضًا وأدَعُ بعضًا، فقال لي: اكتبْ كلَّ ما تسمعُ، فإن أخسَّ ما تسمعُ خيرٌ من مكانه أبيض.

وقال الخليل بن أحمد: تكثَّرْ من العلم لتعرِف، وتقلَّلْ منه لتحفَظ.

وقال أبو إسحاق: القليل والكثير للكتب، والقليلُ وحدَه للصدر.

وقال أبو إسحاق: كلَّفَ ابنُ يسير الكتبَ ما ليس عليها، إن الكتبَ لا تُحْيِي الموتَى، ولا تحوِّل الأحمقَ عاقلاً، ولا البليد ذكِيًّا، ولكنَّ الطبيعةَ إذا كان فيها أدنى قَبُول، فالكتبُ تشحَذُ وتَفتُق، وتُرهِف وتشفي، ومَن أرادَ أن يعلمَ كلَّ شيء، فينبغي لأهلهِ أن يداووه؛ فإن ذلك إنما تصوَّرَ له بشيءٍ اعتراه، فمَن كان ذكيًّا حافظًا فليقصِدْ إلى شيئين، وإلى ثلاثة أشياء، ولا ينزِع عن الدرس والمطارَحَة، ولا يدع أن يمرَّ على سمعه وعلى بصره وعلى ذهنه ما قدَر عليه من سائر الأصناف، فيكون عالمًا بخواص، ويكون غيرَ غفلٍ من سائرِ ما يجري فيه الناسُ ويخوضون فيه، ومَن كان مع الدرس لا يحفظ شيئًا، إلا نَسِيَ ما هو أكثرُ منه؛ فهو من الحفظ من أفواه الرجال أبعد".



[1] الفوائد لابن القيم.

[2] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ لأبي الحسن علي الحسني.


شبكة الألوكة
1808 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

الوصايا الأثرية لطلاب العلم بالمدينة النبوية

هذه مجموعة من النصائح والوصايا الذهبية التي خص بها الكاتب إخوانه من طلاب العلم بالمسجد النبوي الشريف لحثهم على تحصيل العلم واقتناص الأوقات والأعمار؛ في التزود من الآداب النبوية، والتحلي بحلية طالب العلم الشرعي، يقول الكاتب في مقدمة رسالته:

"فتذكيرًا بهذا الخير العميم أحببت أن أبذل إلى إخواني طلاب العلم بالمسجد النبوي شيئًا من الوصايا والنصائح، حتى يتسنى لهم أن يكونوا في زمن التحصيل على استعداد، وهذا لمّا رأيت بعضهم قد تشوشت عليه الأفكار، وتلخبط في دياجير الفوضوية، فلا هو استفاد ولا ترك غيره يستفيد، فسار على منهجية غير موفقة في التحصيل، والأحزن من هذا كله أنه يرى نفسه على الحق في هذه الجزئية، فلا شك أنه في خير دائم، ولكن ليس على المنهج القويم في طريقة طلب العلم عامة، وتحصيله في ربوع المسجد النبوي خاصة، وما هذا الجمع المبارك - إن شاء الله تعالى - إلا تحفيزًا لنفسي الفاترة التي شابت قبل زمن الشيب، فاعتراها من ضعف الهمة وتخنث العزيمة ما لا أذكره خشية العيب".

وقد قسم الكاتب البحث إلى عدة وصايا نافعة جامعة على حسب ما اقتضاه حال الطلاب وهي على النحو التالي:

الوصية الأولى: تصحيح النية.

الوصية الثانية: رضا الوالدين.

الوصية الثالثة: لمن تعارضت الأشغال في بلده وبين رحلته إلى طلب العلم.

الوصية الرابعة: بين مكة والمدينة.

الوصية الخامسة: اختيار الرفقاء.

الوصية السادسة: الانقياد للعرف في اللباس والهيآت والمعاملات.

الوصية السابعة: تسطير منهجية لدراسة العلم وتحديد وقته.

الوصية الثامنة: القرآن الكريم.

الوصية التاسعة: اختيار شيخ وملازمته وعدم منافاة الجلوس عند باقي المشايخ ورؤيتهم.

الوصية العاشرة: طالب العلم مع إخوانه في الغرف (الخدمة، الأكل، التنظيف، الإجار).

الوصية الحادية عشرة: طالب العلم ومخالطة الناس.

الوصية الثانية عشرة: الجمع بين العلم والمال.

الوصية الثالثة عشرة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ (الذاريات: 58).

الوصية الرابعة عشرة: طالب العلم والكتب.

الوصية الخامسة عشرة: طالب العلم والبحث.

الوصية السادسة عشرة: طالب العلم والعبادة.

الوصية السابعة عشرة: طالب العلم والزواج.

الوصية الثامنة عشرة: الاستراحات والنزهات.

الوصية التاسعة عشرة: العلم ثلاثة أشبار فإياك أن تكون أبا شبر.

الوصية العشرون: الصبر ومراتبه الثلاثة.

الوصية الحادية والعشرون: الأماني رأس مال المفاليس.

الوصية الثانية والعشرون: طالب العلم على كل حاله في خير دائم فلا يحزن.

الوصية الثالثة والعشرون: العودة إلى الوطن الحبيب.

الوصية الرابعة والعشرون: الثبات على المنهج الرباني إلى الممات.



شبكة الألوكة
1835 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

أهل العلم هم أئمة الناس وقدوتهم لِمَا أتاهم الله من العلم، ولما أخذ عليهم من ميثاق البيان وترك الكتمان، فهم المقدمون وأول المكلفين وأعظمهم واجبًا ومثوبةً وتبعةً، والناس لهم تبع، فيجب على أهل العلم - بما بعث الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق ـ من الدعوة فيما يتعلق بالعلم، وكيفية العمل، وكشف الشبهات، ورد الضلالات، وبيان أحكام النوازل والحوادث الجديدة، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم؛ ما لا يجب على غيرهم.

فإن الله تعالى قد أمر عامة المسلمين وخاصتهم بالرجوع إليهم فيما لا يعلمونه من أمر دينهم بقوله: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وأخذ على أهل العلم الميثاق بالبيان وترك الكتمان بقوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران: 187]، وتوعدهم على الكتمان أو التقصير في البيان مع القدرة إن لم يتوبوا بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159، 160].

وذلك لأن أهل العلم بالهدى ودين الحق اللذيْن جاء بهما النبي صلى الله عليه وسلم هم خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في أمته وفي دعوته وحفظ سنته وبيان شريعته لعباده، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وقد ثبت في الصحيح من غير وجهٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين للناس ـ في خطبته يوم عرفة جُملًا من العلم ـ أرسى فيها قواعد الملة وجلَّى أحكام الشريعة، ووضع ـ أي: أبطل ـ أمور الجاهلية، قال: «ألا هل بلغت؟»، فقالوا: نعم. فقال: «اللهم اشهد»، وأشار بأصبعه السبابة إلى السماء، ثم نكتها عليهم، ثم قال: «ألا فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ»[1]. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله عز وجل بلجام من نار يوم القيامة»[2].

وكل من آتاه الله تعالى حظًّا من العلم وفهمًا صحيحًا للدليل على وجهه يدرك به المراد فهو عالم بذلك، فيجب عليه تبليغه لمن لا يعلمه، ودعوته للعمل به، ولا سيما عند سؤاله أو الحاجة الشديدة إلى ما عنده، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية» الحديث[3]، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نضَّر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه»[4]. ومن المقرر عند أهل العلم بالأصول: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأنه يجوز تأخير البيان لوقت الحاجة.

فيجب على ورثة النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته وخلفائه في أمته من تعليم الجاهل، وإجابة السائل، وتذكير الغافل، ودلالة المجتهد في الخير على أفضل أنواعه وأوقاته، والشهادة للمحسن بإحسانه، وإنكار المنكر، ورد البدعة، وكشف الشبهة، وتفنيد الضلالة والبشارة والنذارة، والنصح للأئمة والأمة عند المناسبة والحاجة، بحسب ما أُوتوا من العلم والقدرة، فإنه بنشر العلم للناس تحيا السنن، وتموت البدع، ويظهر المعروف، وتبين شناعة المنكر، وتقوم الحجة على الحق، وبهذا يُحفظ الدين ويُنشر ويظهر، ويُدفع الباطل ويزهق، وتقوم حجة الله على العالمين، ويهدي الله من يشاء من الثقلين.

فيجب على أهل العلم والإيمان وخلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته في البيان من الرجال والنساء من الجن والإنس أن يدعوا إلى الإسلام، وأن يُفقِّهوا إخوانهم في الدين، وأن يفشوا العلم، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناهوا عن الإثم والعدوان، وأن يقولوا بالحق أينما كانوا ما استطاعوا، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، فلا يُحابوا أميرًا، ولا يهابوا كبيرًا، ولا يراعوا غنيًّا، ولا يحتقروا مأمورًا، ولا يغفلوا صغيرًا، ولا يغمطوا فقيرًا، ولا يهملوا محبوسًا أو أسيرًا، فالكل عباد الله، يجب أن ينصحوا ويهدوا إليه ليؤدوا حقه، فيتَّقوا العذاب، ويفوزوا بالثواب، فما أسعد من تسبب في عتق الرقاب من النار ودخولها جنات تجري من تحتها الأنهار، فلعل من ثوابه أن يكون من أول المعتقين وأسعد الفائزين بالقرب من رب العالمين؛ لأنه طالما دعا إليه وهدى إليه وجاهد فيه، والله تعالى يحب المحسنين ولا يضيع لديه أجر المصلحين المحسنين، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، ويا أرحم الراحمين!

ولقد قام الصحابة رضوان الله عليهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته في الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم خير قيام، ولمّا اتسعت الفتوح واشتدت الحاجة إلى العلم تفرق الصحابة رضوان الله عنهم في الأمصار، يعلِّمون العلم، وينشرون السنن، ويفقِّهون الداخلين في الإسلام، وهكذا التابعون وأتباعهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم وأتباعهم بإحسان، قاموا ببيان دين الله تعالى لعباده ودعوتهم إليه إلى يومنا هذا، وبذلك وصل إلينا العلم ونقل العمل، فرحمة الله عليهم وجزاهم عنا خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن نكون حلقة في سلسلة سند العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده إلى من بعدنا حتى يأتي الله بأمره، لنكون من المبلِّغين عن الله دينه، الهادين عباده إليه، اللهم اجعلنا منهم؛ بل من أئمتهم بوجهك الكريم، يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين.



[1] أخرجه البخاري برقم (1741)؛ ومسلم برقم (1679).

[2] أخرجه أحمد في المسند برقم (8328)؛ وأبو داود برقم (3658).

[3] أخرجه البخاري برقم (3461).

[4] أخرجه الترمذي برقم (2656)؛ وأبو داود برقم (3660)؛ وأحمد في المسند برقم (21080).


شبكة الألوكة
1823 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

أولاً : العقيدة :
1- كتاب ( ثلاثة الأصول ) .
2- كتاب ( القواعد الأربعة ) .
3- كتاب ( كشف الشبهات ) .
4- كتاب ( التوحيد ) .
وهذه الكتب الأربعة للإمام

محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .

5- كتاب ( العقيدة الواسطية )

وتتضمن توحيد الأسماء والصفات ,

وهي من أحسن ما أُلف في هذا الباب

وهي جدير بالقراءة والمراجعة .

6- كتاب ( الحموية ) .

7- كتاب ( التدمرية )

وهما رسالتان أوسع من ( الواسطية ) .

وهذه الكتب الثلاثة لشيخ الإسلام

ابن تيمية رحمه الله تعالى .

8- كتاب ( العقيدة الطحاوية )

لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي .

9- كتاب ( شرح العقيدة الطحاوية )

لأبي الحسن علي بن أبي العز .

10- كتاب( الدرر السنية في الأجوبة النجدية)

جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله .

11- كتاب(الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية)

لمحمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ,

وفيها بعض الإطلاقات

التي تخالف مذهب السلف

لذلك لا بد لطالب العلم أن يدرسها

على شيخ مُلم بالعقيدة السلفية

لكي يبين ما فيها من الإطلاقات المخالفة

لعقيدة السلف الصالح .

ثانياً : الحديث :

1- كتاب ( فتح الباري شرح صحيح البخاري )

لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى .

2- كتاب ( سبل السلام شرح بلوغ المرام )

للصنعاني , وكتابه جامع بين الحديث والفقه .

3- ( نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ) للشوكاني .

4- كتاب ( عمدة الأحكام ) للمقدسي ,

وهو كتاب مختصر وأحاديثه كلها في الصحيحين

أو في أحدهما فلا يحتاج إلى البحث عن صحتها .

5- ( كتاب الأربعين النووية )

لأبي زكريا النووي رحمه الله تعالى

وهذا كتاب طيب ؛ لأن فيه آداباً ,

ومنهجاً جيداً , وقواعد مفيدة جداً

6- كتاب ( بلوغ المرام )

للحافظ ابن حجر العسقلاني

وهو كتاب نافع ومفيد ,

لا سيما وأنه يذكر الرواة ,

ويذكر من صحح الحديث ومن ضعفه ,

ويعلق على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً .
7- كتاب ( نخبة الفكر )

للحافظ ابن حجر العسقلاني ,

وتعتبر جامعة , وطالب العلم

إذا فهمها تماماً وأتقنها

فهي تغني عن كتب كثيرة في المصطلح ,

ولابن حجر رحمه الله طريقة مفيدة

في تأليفها وهي السبر والتقسيم ,

فطالب العلم إذا قرأها يجد نشاطاً

لأنها مبنية على إثارة العقل وأقول :

يَحْسُن على طالب العلم أن يحفظها

لأنها خلاصة مفيدة في علم المصطلح .

8- الكتب الستة وهي:

( صحيح البخاري , ومسلم ,

وسنن النسائي , وأبو داود ,

وابن ماجه , والترمذي )

وأنصح طالب العلم أن يكثر

من القراءة فيها ؛ لأن في ذلك فائدتين :

الأولى : الرجوع إلى الأصول .

الثانية : تكرار أسماء الرجال على ذهنه ,

فإذا تكررت أسماء الرجال

لا يكاد يمر به رجل مثلاً من رجال البخاري

في أي سند كان إلا عرف أنه من رجال البخاري

فيستفيد هذه الفائدة الحديثية .

ثالثاً : كتب الفقه :
1- كتاب ( آداب المشي إلى الصلاة )

لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .

2- ( زاد المستقنع في اختصار المقنع ) للحجاوي ,

وهذا من أحسن المتون في الفقه ,

وهو كتاب مبارك مختصر جامع ,

وقد أشار علينا شيخنا العلامة

عبد الرحمن السعدي رحمه الله بحفظه ,

مع أنه قد حفظ متن ( دليل الطالب ) .

3- كتاب ( الروض المربع شرح زاد المستقنع )

للشيخ منصور البهوتي .

4- كتاب ( عمدة الفقه ) لابن قدامة رحمه الله.

5- كتاب ( الأصول من علم ا لأصول )

وهو كتاب مختصر يفتح الباب للطالب .

رابعاً : الفرائض :

1- كتاب ( متن الرحبية ) للرحبي .

2- كتاب ( متن البرهانية ) لمحمد البرهاني ,

وهو كتاب مختصر مفيد جامع لكل الفرائض ,

وأرى أن ( البرهانية ) أحسن من (الرحبية)

لأن (البرهانية) أجمع من (الرحبية) من وجه ,

وأوسع معلومات من وجه آخر .

خامساً : التفسير :

1- كتاب ( تفسير القرآن العظيم )

لابن كثير رحمه الله وهو جيد بالنسبة

للتفسير بالأثر ومفيد ومأمون ,

ولكنه قليل العرض لأوجه الإعراب والبلاغة .

2- ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان )

للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وهو كتاب

جيد وسهل ومأمون وأنصح بالقراءة فيه .

3- كتاب ( مقدمة شيخ الإسلام في التفسير )

وهي مقدمة مهمة وجيدة .

4- كتاب ( أضواء البيان )

للعلامة محمد الشنقيطي رحمه الله وهو كتاب

جامع بين الحديث والفقه والتفسير وأصول الفقه .

سادساً : كتب عامة في بعض الفنون :

1 - في النحو ( متن الأجرومية )

وهو كتاب مختصر مبسط .

2 - في النحو (ألفية ابن مالك )

وهي خلاصة علم النحو .

3 - في السيرة وأحسن ما رأيت كتاب

( زاد المعاد ) لابن القيم رحمه الله

وهو كتاب مفيد جداً

يذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

في جميع أحواله ثم يستنبط الأحكام الكثيرة .

4 - كتاب (روضة العقلاء )

لابن حبان البُستي رحمه الله

وهو كتاب مفيد على اختصاره ,

وجمع عدداً كبيراً من الفوائد

ومآثر العلماء والمحدثين وغيرهم .
5 - كتاب ( سير أعلام النبلاء ) للذهبي

وهذا الكتاب مفيد فائدة كبيرة

ينبغي لطالب العلم أن يقرأ فيه ويراجع .


(من كتاب العلم للشيخ محمد العثيمين)

الصفحة ( 92 ) .

29846 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

هذا جزء مفرغ من محاضرة

" كيف تتدرج في طلب العلم "

للشيخ د. علي الشبل :

وأيضاً طالب العلم المتون هذه لا يقرأها مرة فقط !

بل لابد أن يكررها

يحكي علينا شيخنا الشيخ

حمود التويجري رحمه الله يقول :

أنا كررت متن الزاد "

على الشيخ عبد الله العنقري 26 مرة "

لأن وقتهم في العلم

من حين الصباح إلى المساء

يكررون الزاد في السنة والنصف

ثلاث مرات ؛

لأن شغلهم كلّه في العلم!

مجالس العلم التي نجلسها نحن الآن،

درس في الأسبوع ، درسين في الأسبوع ،

هذا تذوق ،وليس تحصيلاً للعلم

العلم يحتاج طول ملازمة واجتهاد وبذل

لعلّه أن يدرك

يُخبرنا الشيخ صالح بن غصون

عن أن الطالب المجدّ

كان ينتهي على شيخه

الشيخ محمد بن إبراهيم

في سبع سنوات متواصلة ،

وهو في طلب،يتأهل، يُصبح منتهي،

لأن طالب العلم

مبتدئ ومتوسط ومنتهي ،

المنتهي الذي تأهل للقضاء أو للإفتاء ،

وبعد ذلك لم يفرغ من العلم !

ما زال يحتاج إلى مراجعة وإلى عناية

والعلم يا أيها الإخوة يثبت بأمرين:

1/ بمراجعته ومذاكرته والعمل به

2/ والثانية بتعليمه

من أراد أن يثبت علمه فليعلمه ،

كل شيء ينقص إذا أخذت منه

إلا العلم إذا أخذت منه زاد ،

وهذه خصيصة وبركة جعلها الله في العلم

فإذا أتعبت نفسك وأتلفتها في بذله

زاد علمك من حيث لا تشعر !

أنبه على ثلاث مسائل:

المسألة الأولى :

العلم ليس مجرد معلومات

يزيدها الإنسان في نفسه

العلم زكى وصلاح وتقى

والله جل وعلا يقول

في آخر آية الدين :

" واتقوا الله ويعلمكم الله " .

إذن من أراد أن يتضلع علمه

فليتق الله في علمه ،

وليس يتعلم ليزيد معلومات!

يتعلم لله ويتق الله في علمه

يعمل به ويدعو إليه يزداد علمه ،

المسألة الثانية:

أن من المنتسبين إلى طلب العلم الآن

في هذا الزمان سوء الأدب في التعلم ،

ما معنى سوء الأدب؟

سوء الأدب عند الناس له معنى

لكن في العلم له معنى خاص

سوء أدب مع شيخه

سوء أدب مع زملائه

سوء أدب مع نفسه

وهذا مرده إلى أصل عظيم وهو أنه:

لم يحقق لله التوحيد في طلب العلم ،

كان طلاب العلم المشايخ

يعيبون على طالب العلم

المبتدئ والمتوسط أن يسأل ،

ما بدأ وقت السؤال الآن وقت تحصيل ،

قد يقول قائل :

أليس هذا يخالف الهدي النبوي؟

يخالف الإسلام؟

أبداً ، الصحابة رضي الله عنهم

كم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال؟

أسئلة قليلة ، كانوا متلقين ،

هذه مسألة مهمة ، في تحصيل العلم

يكره السؤال للمبتدئ والمتوسط

لكن في باب العمل ،

الفتيا ، الاستفتاء ، التدين ،

التقرب إلى الله تعالى هنا يجب السؤال ؛

لأنه جاءت فيه آيتان في القرآن

في النحل وفي أول الأنبياء

في سورة النحل قال الله تعالى:

( وما أرسلنا من قبلك

إلا رجال نوحي إليهم

فاسألوا أهل الذكر)

لم يقل فاسألوا الرجال بل قال:

( فاسألوا أهل الذكر )

لأنه قد لا يكون من الأنبياء

قد يكون من أتباعهم وقد تكون امرأة .

جاءت الآية مثلها

لكن اختلفت اختلافا يسيرا

في أول سورة الأنبياء :

(وما أرسلنا قبلك إلا رجال نوحي إليهم

فاسألوا أهل الذكر ) .

في باب العمل ، التدين ،

تسأل عما لا تعرف

أما في باب الطلب

فكانوا يكرهون الطالب المبتدئ أن يسأل

ولهذا أذكياء العلماء ونابغوهم

يكرهون السؤال من الطالب المبتدئ

لأنه إذا سأل عن كل ما خطر له

أورثه ذلك بلادةً في ذهنه

فلا يبحث ولا يفكر ما يستنبط.

~~

كان هذا النص من محاضرة :

كيف تتدرج في طلب العلم

من الدقيقة: 25 حتى الدقيقة 30

ولسماع المحاضرة كاملة

من هنـــا

30424 زائر
اضافة للمفضلة    طباعة 

[ 1 ] [ 2 ] [ التالي ]